إن رؤيتنا العقدية الأولى للصحابة الذين هاجروا ونصروا وصاحبوا رسول الإسلام الحبيب المصطفى، بأن لهم كل احترام وتقدير وهم أصحاب فضل، ومنهم خليفة المسلمين وإمامهم وابن عم الرسول وصهره علي بن أبي طالب.لا يمكن أن يكون الحديث عن شخصية مثل شخصية الخليفة الإمام علي بن أبي طالب «ع» كأي حديث آخر، لأنه حديث ذو شجون ويتخذ أبعاداً وآفاقاً عديدة، بحيث يمكن الاستطراد فيه إلى أبعد حد، وكيف لا، وهو الذي جمع من الخصال والصفات والمناقب ما لا يعد ولا يحصى ناهيك عن الكثير من الآيات، التي أنزلت بحقه، وكذلك الأحاديث الشريفة التي قالها سيدنا ونبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم، أيضاً بحقه، ولذلك فإن خوض غمار الحديث عنه بقدر ما يطيب للمرء بقدر ما ينتابه شعور بالرهبة، لأنه ليس بذلك الرجل العادي الذي يمكن لأي كان الحديث عنه.هذا الرجل الذي يعد مفخرة للتاريخ الإسلامي، شهد في حياته العديد من الأمور والقضايا والأحداث الجسام، وبقدر ما كان فارساً شجاعاً هماماً في سوح الوغى، فإنه كان أيضاً رجل علم وفكر ودين وعدل ودولة من طراز فريد من نوعه، وإلقاء نظرة على مراحل حياته، تبين بكل وضوح عظمة شأنه ورفعة مكانته، والتكوين الفريد من نوعه لشخصيته التي حار فيها الفلاسفة والمفكرون وأبدوا إعجابهم الشديد بها.المميز في الإمام علي ولاسيما عند مراجعة مراحل حياته هو علاقاته القوية والطيبة مع أخوانه من صحابة الرسول الأكرم «ص»، ولئن كان هناك من يسعى للتأكيد على عكس ذلك فإن الكثير من الأدلة والوقائع التاريخية تفند وتدحض رأيه، خصوصاً فيما يتعلق بالخلفاء الراشدين، ويكفي أن نورد ما قد جاء على لسانه عند وفاة الخليفة أبو بكر الصديق، حيث قال: «رحمك الله يا أبا بكر، كنت إلف رسول الله كنت إلفه، كان يحبك كثيراً، وأنسه وثقته وموضع سره، وأخلصهم إيماناً، وأشدهم يقيناً، وأخوفهم لله، وأعظمهم غناء في دين الله، وأحوطهم على رسول الله، وأثبتهم على الإسلام، وأيمنهم على أصحابه، وأحسنهم صحبة، وأكثرهم مناقب، وأفضلهم سوابق، وأرفعهم درجة، وأقربهم وسيلة، وأشبههم برسول الله «ص» سنناً وهدياً، ورحمة وفضلاً، وأشرفهم منزلة، وأكرمهم عليه، وأوثقهم عنده، فجزاك الله عن الإسلام وعن رسوله خيراً، كنت عنده بمنزلة السمع والبصر»، أما ما قاله الخليفة عمر بن الخطاب في الإمام علي، فهي الأخرى تؤكد قوة العلاقة التي كانت تربط بينهما فليس لها نظير، فقد قال الخليفة عمر بن الخطاب في الإمام علي «لا أبقاني الله لمعضلة ليس لها أبا الحسن»، أو «لولا علي لهلك عمر»، هذا إلى جانب المصاهرة فيما بينهما بحيث يبين أن علاقتهما كانت قوية وراسخة لكل لبيب.الحقيقة التي يجب ألا نغفل عنها أبداً ونحن نتناول أطراف الحديث عن الإمام علي هي أن همه الأكبر كان الإسلام والمحافظة على وحدة المسلمين فهو عاش مع الصحابة والخلفاء متحدين ومتكاتفين مع بعضهم البعض، لأن همهم الأوحد كان رضا الله والحفاظ على سلامة ووحدة المسلمين، وكل ما تقدم ذكره أردت به توجيه إضاءة لتكون ذات أهمية لكل المختلفين والمتناحرين بشأن الإمام علي وصحابة الرسول الأكرم «ص»، فإننا نخاطبهم بالقول، أبعدوا صراعاتكم ومشاريعكم السياسية المشبوهة ومصالحكم الحزبية الضيقة عن الإسلام والصحابة ولا تفسدوا على الناس إسلامهم ولا تشوهوا سيرة الصحابة ولا تحرفوا علاقاتهم الطيبة والتي هي نموذج للأخوة الصادقة ولا تفتروا على الصحابة ولا تسبوهم ولا تتعرضوا لهم واتقوا الله واعلموا أن ذلك يؤذي رسول الله وما يؤذي رسول الله يؤذي الله.علي بن أبي طالب، هذا الرجل الذي قضى حياته كلها من أجل الإسلام ورفعة كلمته، وكان يعتبر وحدة الإسلام والمسلمين فوق كل اعتبار آخر، من الواضح أنه يرفض بشدة ما يجري حالياً من مساعٍ ومحاولات مشبوهة من أجل الدس والتفريق بين المسلمين والتشكيك في كل ما كان سائداً في عهده، ولا يمكن لمن يعتبر نفسه على خطى ومسار هذا الرجل العظيم، أن يعمل على تفريق كلمة المسلمين ويشق وحدة صفهم، حيث إن الإمام علي قد كان في حياته كلها قدوة ومثلاً أعلى في التضحية والإيثار من أجل وحدة المسلمين ولا يمكن لمن يعمل خلاف ذلك الادعاء بأنه يمشي على نهجه.* الأمين العام للمجلس الإسلامي العربي في لبنان