إن فرض الصوم في الإسلام جاء لأسباب وأبعاد اجتماعية وأخلاقية ونفسية تستهدف تقويم وتهذيب النفس الإنسانية وترويضها بما يجعلها تتأقلم وتتجاوب مع الواقع الموضوعي وتكتسب بعداً إنسانياً يدفعها للخروج من البعد الذاتي ذي الطابع الأناني. فالصوم بقدر ما يهذب ويقوم بتشذيب النفس عن الشوائب والأدران الدنيوية ويمنحها التعود على الصبر والتحمل، فإنه في نفس الوقت يدفع بالإنسان ليفكر بعقلانية عندما يعلم بأنه وعند الافطار هناك طعام وشراب مما لذ وطاب ينتظره، فإن ذلك سيدفعه ليفكر أيضا بما يقاسيه الفقير والبائس الذي لا يجد طعاماً ولا شراباً ولو رديئاً ليسد به رمقه.
وقد أمر الله سبحانه وتعالى بالصوم كل عام شهراً كاملاً، من أجل أن يفكر الإنسان خلال هذا الشهر في معاناة الفقراء والبائسين والمحرومين من الطعام والشراب، أو بتعبير أدق من الأمن الغذائي، خصوصاً أننا يجب أن نفكر ملياً لماذا منح الله سبحانه وتعالى الأسبقية للجوع على الأمن كما ورد في سورة قريش «لإيلاف قريش إيلافهم رحلة الشتاء والصيف فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف»، ولهذا فإن على المسلم أن يفكر بأن الأمن الغذائي في الإسلام للمجتمع مهمة اجتماعية يشارك فيها الجميع بصورة أو بأخرى.
ما يجدر أن نلاحظه هنا ونتأمل فيه، أن الله سبحانه وتعالى، وبعد أن أمر بالصوم طوال شهر رمضان والإفطار كل يوم، فإنه وضع في نفس الوقت يوماً مباركاًً للإفطار من الشهر كله، بمعنى أنه عز وجل قد وضع إفطارين يشكلان فرحة للمسلم، أحدهما يتكرر طوال الشهر بعد صيام كل يوم، والآخر يتم مرة واحدة بعد إتمام الشهر وختمه بعيد الفطر. وفي يوم العيد هذا، فرض الله تعالى زكاة الفطر أو زكاة الأبدان وهي كما نعلم زكاة واجبة على المسلمين ويتم دفعها قبل صلاة عيد الفطر أو قبل انقضاء شهر رمضان، وكما أشرنا فإنها واجبة على كل مسلم ومسلمة قادر عليها، وأضيفت الزكاة إلى الفطر لأنه سبب وجوبها، والذي يمنحها خصوصية تختلف عن الزكوات الأخرى، بأنها مفروضة على الأشخاص لا على الأموال، أي أنها فرضت لتطهير نفوس الصائمين وليس لتطهير الأموال كما في زكاة المال مثلاً، كما جاء في السنة النبوية الشريفة المروية عن عبدالله بن عباس رضي الله عنه قال: «فرض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث وطعمة للمساكين من أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات».
وكما أن هناك حكمة من صيام أيام رمضان والإفطار فيها، فإن لزكاة الفطر أيضاً أكثر من حكمة منها أنها تطهر الصائم من بعض الأخطاء والعثرات التي تخدش كمال الصوم وتؤثر عليه، من لغو ورفث وصخب وسباب ونظر محرم، فشرع الله عزوجل هذه الصدقة لكي تصلح له ذلك الخلل الذي حصل فيه ليكون صياماً تام الأجر ولكي يفرح به فرحاً تاماً يوم القيامة.
والحكمة الأخرى من وراء زكاة الفطر، هي تعميم الفرحة في يوم العيد لكل المسلمين والناس حتى لا يبقى أحد يوم العيد محتاجاً إلى القوت والطعام ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم «أغنوهم عن المسألة في هذا اليوم»، بمعنى إغناء الفقير يوم العيد عن المسألة.
والحكمة التالية من زكاة الفطر، أنها زكاة للنفوس والأبدان معا، حيث تعتبر صدقة الفطر زكاة عن الأبدان والنفوس وقربة لله عز وجل عن نفس المسلم، أو زكاة لبدنه، و شكر للباري القدير على نعمه وأفضاله على الإنسان.
ومن هنا، فإننا نرى بين صوم رمضان وزكاة الفطر، ترابطاً واتساقاً بديعاً ذي معاني جميلة تبهر العقول وتغني النفوس وتساعد المسلم أيما مساعدة من أجل العمل على السير باتجاه التكامل الإنساني الإيماني المطلوب الذي يجعل المسلم يضمن مساره الدنيوي والأخروي على حد سواء.
* الأمين العام للمجلس الإسلامي العربي في لبنان