هل ينبغي أن يكون اجتماع أوبك الـ 169، الذي انعقد في بداية شهر يونيو الحالي، آخر اجتماع للمنظمة؟ قال وينستون تشرشل، رئيس الوزراء البريطاني الأسبق: «للتحسين ينبغي التغيير، وللتفوق ينبغي دوام التغيير»، في الوقت الراهن، ربما يفضل لدول مجلس التعاون أن ترسم استراتيجيتها النفطية على أساس خليجي حصرياً، وبعيداً عن توترات وعرقلة «أوبك».
ولربما يتصور المحللون أن مثل هذا التغيير ستكون له تداعيات كبيرة على الاقتصاد العالمي. ولكن منذ زمن طويل، تظاهرت منظمة «أوبك» بنفوذ لا تمتلكه في الواقع، مما يؤكد غياب أي أثر ملحوظ لأسواق النفط العالمية، في حالة تفكيك المنظمة. وأشار الباحث لدى جامعة براون جيوف كولجان إلى أن استمرارية أسطورة «أوبك» تعود إلى اغتنام الأعضاء لبعض المكتسبات الدبلوماسية الناتجة، فضلاً عن قبول المنظمة لاحتلال دور كبش المحرقة، حينما تمرّ الدول المستوردة للنفط ببعض الصعوبات الاقتصادية. ولكن لن يؤثر إنهاء «أوبك» على قرارات الرؤساء العالميين، باستثناء فقدانهم لقدرة تحميل «أوبك» مسؤولية أزمات لم تسبّبها المنظمة في الواقع.
وأصبحت «أوبك» مؤخراً تتسبب في بعض المشكلات لدول مجلس التعاون. في مطلع عام 2016، طالبت مجموعة أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي بتشكيل لجنة للتحقيق في تصرفات «أوبك» الراهنة والماضية، نتيجة لشعورهم أنّ المنظمة قد عارضت المصالح الأمريكية. وبرزت هذه المناورة في ظل التهديدات التي تواجهها الوظائف في القطاع النفطي الأمريكي، بسبب هبوط سعر النفط. ويبدو أن اللجنة تبنت مفهوم: «افعل ما أطالبه، وليس ما أفعله»، حيث إن اللجنة تتهم «أوبك» بالتصرفات المضادة للتنافس، على الرغم من أن حظر التصدير، الذي تبنته أمريكا لما يزيد عن 40 سنة، يمثل سياسة – فعلاً – مضادة للتنافس. وبأية حال، ينبغي على دول مجلس التعاون أن تقوم مكتسبات عضويتها في أوبك «ليست البحرين وعمان عضوين».
وبالإضافة إلى استدعاء غضب أصحاب القرار الأمريكيين، هناك سلبيات أخرى متعلقة بالعضوية في «أوبك». فالصراعات البينية حول خفضٍ منسقٍ في الإنتاج قد تسببت في ضغط على السعودية في الساحة العامة. وبعد اجتماع أبريل لدى منتجي النفط في الدوحة، تلقت السعودية مزيداً من المزاعم، «بأنها تعارض روح التعاون»، على الرغم من أنّ المملكة تتميز بأكبر فارق بين إنتاجها الفعلي والإنتاج الممكن، ويفوق هذا الفارق ما يوجد في الدول المنتجة الأخرى، بشكل ملحوظ. ولا صعوبة لدى أصحاب القرار الخبراء في تجاهل المطالبات، باتخاذ قرارات غير صحيحة تجارياً، ولكن لماذا يتحمّل مثل هذه الاستفزازات، في ظلّ ضآلة عوائد العضوية في «أوبك»؟
في الواقع، «أوبك» منظّمة غير فعّالة «كشف كولجان أنّ إنتاج الأعضاء يتجاوز الحصص المشروعة في 95% من الحالات»، وبالإضافة إلى ذلك، فإنه – نظرياً – لا بد أن تفشل في تحقيق أهدافها، حيث إن اثنين من أكبر 3 منتجين للنفط ليسا أعضاء في المنظمة «روسيا وأمريكا»، وتم قطع العلاقات الدبلوماسية بين اثنين من أهم الأعضاء «السعودية وإيران»، والأعضاء متوزّعون جغرافياً في كلّ أنحاء العالم، واقتصادات الأعضاء غير متجانسة للغاية. ولمن يصرّ على أن تعمل «أوبك» كاتحاد احتكاري، يجب أن يسائل نفسه: لماذا لا توجد أية اتحادات احتكارية دولية في سلع أخرى، كالغاز الطبيعي، والفحم، والأسلحة، والمواد النووية، وسلع استراتيجية أخرى، فضلاً عن السلع العادية، كالقمح والسيارات، حيث لا يمكن التغلّب على الحوافز الاقتصادية التي تدفع المنتجين نحو مخالفة حصص الإنتاج.
إذا اقتنعت دول مجلس التعاون بما سبق، كيف يمكن لها أن تستفيد من نظير خليجي لـ «أوبك»؟ من المهم للكتلة الخليجية أن تطرح أهدافاً تختلف جذرياً عما تهدف إليه «أوبك». وتحديداً يجب إزالة هدف التحكم بالأسعار عبر تغيير الإنتاج. ففي الماضي، كانت السعودية تخفض إنتاجها، لكي تتمكن من رفعه في المستقبل – تعويضاً – عند حدوث أية اضطرابات إنتاجية، قد يواجهها أحد المنتجين الآخرين، وذلك لخفض احتمال ارتفاعات حادة في سعر النفط. وكان حلفاء السعودية الغربيون يعلمون بهذه الخدمة، وكانوا يكافئون السعودية على ذلك. ولكن انتهى مفعول هذه السياسة في الوقت الراهن، نتيجة لبروز النفط الصخري، ولوجود مخزونات نفطية عالمية قياسية. فأصبح المجتمع الدولي لا يقلق من تحرير مطلق لسعر النفط. ففي الوقت الراهن، فإنه إذا خفضت دول مجلس التعاون إنتاجها النفطي، يمكن للشركات الأمريكية المرنة أن تعوّض السوق بإنتاجها فوراً.
ولماذا الآن؟ لقد حاولت الدول الست – منذ زمن – أن تقلّد السوق المشتركة الأوروبية، التي نجحت نجاحاً كبيراً «على عكس تصورات مؤيدي خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي»، ولكن النسخة الخليجية لم تحقق نفس الإنجازات، نتيجة لتركيز أصحاب القرار جهودهم على مشاريع أخرى. وهذا أمر طبيعي، نظراً لعدم تأثر قطاع النفط – الذي يشكل أهم قطاع في الاقتصاد الخليجي – بالتزام دول مجلس التعاون بشروط السوق المشتركة. فعلى عكس ذلك، أدت السوق المشتركة الأوروبية إلى تحقيق مكتسبات كبيرة للمواطنين والشركات الأوروبية، لأنها عززت التجارة الدولية، التي تشكّل محرّكاً للاقتصادات الأوروبية، وهذه حقائق مؤلمة قد يستوعبها قريباً مؤيدو خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
وينبغي على دول مجلس التعاون أن تتحول إلى كتلة فعالة في الأسواق العالمية، ولاسيما في مجال النفط، من خلال التعاون لتحقيق مزيد من الإنجازات في قارة آسيا. وتحديداً ينبغي توطيد علاقات تجارية مع الشركات الصينية، واليابانية، والكورية، بناءً على تخطيط على المستوى الخليجي، وليس بناءً على تصرف كل دولة منفردة. فإن تبدو الأرقام المطروحة لقيمة «أرامكو» فلكية «تريليونات من الدولارات»، فلنتصور قيم مشاريع قائمة على شراكات استراتيجية بين كل من «أرامكو»، و»قطر للبترول»، و»مؤسسة البترول الكويتية».
ومهما كان توجه دول مجلس التعاون، فإن عليها أن تنتبه إلى كلام الفيلسوف الإنجليزي، الفارس فرانسيس بيكون: «تتغير الأشياء نحو الأسوأ تلقائياً، إن لم تغير للأحسن بوعي».