كارثة حقيقية حينما يموت الإحساس لدى جماعات، يفترض أنها -بحسب ما تدعي- أكثر من يحس بالناس.
لكن يحصل ذلك فقط، حينما تستدعي المصالح الخاصة والأجندات، القفز على رؤوس الناس، وعدم الاكتراث بقيمتهم وأهميتهم كبشر، حينها نرى الناس يباعون في سوق النخاسة، ونرى أرواحهم تتحول إلى سلعة رخيصة ترمى وتزهق، تحت مسمى «الفداء» و«التضحية».
الحادث الإرهابي الذي حصل في العكر وذهبت ضحيته مواطنة بحرينية، بدلاً من أن تسارع «الوفاق» والجوقة «النشاز» التي معها، وبدل أن نسمع بيانات استنكار واعتراض على الإرهاب وممارسيه ومحرضيه «وهو الاستنكار الذي من المستحيل أن نسمعه أو نقرأ عنه، إذ كيف يدين الجاني نفسه، أو من يتعاطف معهم ويناصرهم»، بدلاً من ذلك، رأينا حالة «مؤسفة» من «المتاجرة» البشرية، بجسد وروح المواطنة الشهيدة، وجدنا -كالعادة- استغلالاً للبشر، ولعباً على جراحهم وآلامهم.
من قتل المرأة البريئة أمام أعين أبنائها هم إرهابيون، ديدنهم الدائم سد الطرقات، وزرع العبوات المتفجرة، واستخدام زجاجات المولوتوف الحارقة، والمواجهة مع رجال الشرطة ونصب الكمائن لهم بهدف قتلهم، وكل هذه الأفعال -حتى اللحظة- معروف من مرتكبها، ومعروف من يقوم بها، من الثمانينات مروراً لمنتصف التسعينات، وصولاً لانقلاب 2011 ويومنا الحالي، كل من يقومون بهذه الأفعال ليسوا من «داعش»، وهي المحاولة الفاشلة التي سعت الأصوات الانقلابية في لندن العميلة للنظام الإيراني «تحوير» الموضوع فيها، وتبرئة ساحة الإرهابيين أصحاب شعار «لبيك يا فقيه»، ومناصري عيسى قاسم، والمنقلبين في الدوار. وليست طبعاً «مسرحية» من الداخلية كما يدعي «أصحاب المسرحيات الحقيقية» من ممارسي «الفبركة والكذب».
من تسبب في قتل المواطنة رحمها الله، أسكنها فسيح جناته أمام أعين أبنائها، هم أنفسهم من يصرخ فيهم عيسى قاسم ويشحنهم بتصنيفات كونوا «حسينيين» ليواجهوا «اليزيديين» والفئة الأخيرة يرمز بها للنظام البحريني وقوات الأمن والطائفة السنية، هذا تحريض عيسى قاسم وعلي سلمان وجوقة «الوفاق» وكل من يوالي إيران ويعادي البحرين الخليجية العربية، ولا تحاولوا «التورية» على ذلك، فالبحرين جداً صغيرة، والنوايا الخبيثة معروفة ومكشوفة، والله سبحانه كشف لنا في انقلاب 2011، مزيداً من الوجوه وأسقط الأقنعة الزائفة عنها، بل وجعل «المنافقين» يتخلون عن نفاقهم وعن «تقيتهم» لينضحوا «الغل» و«الحقد» و«الكراهية» التي في قلوبهم.
نعرف كل ذلك، نحن أبناء هذه الأرض، والذين تربينا منذ صغرنا على محبة الآخر، وحتى من يختلف معنا، لم نشرب منذ نعومة أناملنا كراهية الآخر، بسبب اختلاف المذهب، أو بسبب خلافة الرسول من قبل صحابته، أو قصة الإمام علي والصحابي معاوية وأبنائه، لم يحسسونا بأن لنا يداً فيما حصل، وأن علينا «ثأراً» يجب أن نأخذه، وتأتينا فوق ذلك كله إيران الكارهة للعروبة والخليج والإسلام الذي ليس على قياسها، فيتحول ولاؤنا من البحرين بلادنا، إلى الأجنبي الكاره الغازي الطامع.
لم نعرف الطائفية، إلا حينما استعملها الساعون لتفريق الشعب الواحد، ولإفساد جو الأخوة بين أبناء الوطن الواحد، كلنا مازلنا نتذكر الحالة السابقة بين الناس، في فرجان المحرق والمنامة، والأطراف الزراعية الريفية في البحرين، من كان أصلاً يجرؤ على وصف فلان بسني أو شيعي؟! من كان يفعلها ينظر له المجتمع نظرة ازدراء واشمئزاز، لكن اليوم وبفضل الجمعية الانقلابية «الوفاق»، وقيادييها الذين أدوا فروض الولاء والطاعة لحسن نصرالله ومن خلفه إيران، وبسبب مرجعها ذي النفس الطائفي، ها هي البحرين تعاني من تقسيم للشعب، تقسيم أبشع من التقسيم الذي كانت تتهم فيه «الوفاق» الدولة، فتقسيم «الوفاق» في أساسه والقائم على المذهب والطائفة والعرق واستخدام مصطلحات «المرتزقة» و«الأصليين» و«المجنسين» رغم أن عيسى قاسم مجنس وغيره الكثير، تقسيمهم في أساسه تقسيم «تفتيت» للأرض ووحدة الشعب، تقسيمهم في أساسه تقسيم «احتلال» للأرض، تمهيداً لتسليمها إلى محتل غاصب أو كاره طامع، مثلما هو الحال مع إيران.
ولأجل كذبهم وزيفهم وأجنداتهم، والله لا يتوانون عن فعل أي شيء، لا ذمة ولا ضمير، ولا إحقاق للحق. فها هي مواطنة تستشهد بسبب عمل إرهابي جبان، منفذوه معروف انتماؤهم وليسوا مجهولي هوية أو دوافع، لكن مع ذلك، آلتهم الإعلامية الطائفية «تخرس» وإن نطقت تنطق بكلام كاتبه وكأنما «يتجرع السم» ليكتب سطوراً مقتضبة فيه، فقط لا يقال عنه إنه «لم يدن إرهاب» من يدافع عنهم دائماً. مواطنة تستشهد بسبب إرهابهم، فيقومون بالمتاجرة بروحها واستغلال تشييعها لمثواها الأخير، باستغلال المذهب والطائفة، ليحولوا العزاء لمظاهرة مناهضة للدولة وتشتم فيها رموز بلادنا. أنتم من قتلتم هذه البريئة رحمة الله عليها، والآن تلطمون في جنازتها، وتستغلون استشهادها بسبب إرهابكم؟!
والله ما أقبح الطائفيين، وما أقبح «تجار الدين»، وما أقبح الكارهين لبلادهم العملاء للخارج، حتى في الموت والبشر يتاجرون.