مؤلم أن يفكر المرء في اتجاه أن لبنان محتل من قبل إيران، لكن الواقع يؤكد أن شيئاً من هذا القبيل حاصل في هذا البلد العربي الجميل وإن كان صعبا على محبي هذا البلد اعتباره كذلك. هنا قصتان تؤكدان الوجود الإيراني، غير العادي، في لبنان وتعينان على القول بأن الحكومة اللبنانية تبدو وكأنها لا علاقة لها بلبنان أو أنها تعتقد أن هذه الأمور تحدث في بلد آخر غير لبنان.
القصة الأولى يلخصها تصريح أمين عام «حزب الله» الأسبوع الماضي والذي اعتبره البعض اعترافاً مفاجئاً ومثيراً حيث قال بصريح العبارة إن إيران هي التي تمول «حزب الله» منذ أكثر من ثلاثين عاماً وأن الأموال ترسل من طهران إلى بيروت بطريقة لا يستطيع أحد أن يكتشفها وأنها تدخل سلاماً سلاماً، وأن إيران ترسل أيضاً الكثير من الأسلحة والمعدات العسكرية إلى لبنان من دون أن يعلم بها أحد «ليس واضحاً إن كانت الحكومة اللبنانية والأجهزة الأمنية في لبنان تعلم بذلك أم أن إدخال الأسلحة - كما الأموال - يتم بطريقة يصعب اكتشافها أيضاً».
أما القصة الثانية فيلخصها تصريح نائب القائد العام للحرس الثوري الإيراني، العميد حسين سلامي، الجمعة الماضي بأن 100 ألف صاروخ جاهز في لبنان للإطلاق نحو إسرائيل «حسبما نقلت وكالة تسنيم الإيرانية»، حيث قال في كلمة له خلال المسيرات في «يوم القدس» إن «إمكانية محو وانهيار إسرائيل أصبح قريباً الآن أكثر من أي وقت مضى»، وإن «100 ألف صاروخ جاهز للإطلاق من لبنان فقط نحو إسرائيل، وإن عشرات آلاف الصواريخ بعيدة المدى في كافة أنحاء العالم الإسلامي جاهزة لمحو إسرائيل بمجرد تلقي الأوامر».
وبعيداً عن المبالغات في القصتين حيث لا يمكن واقعاً قيام إيران بكل ما قاله حسن نصر الله ولا يمكن تصديق كل ما قاله العميد سلامي عن الصواريخ الإيرانية في لبنان وفي كافة أنحاء العالم الإسلامي، بعيداً عن هذا فإن التفكير في اتجاه أن إيران تحتل لبنان ليس صعباً لأن الواقع يوفر الكثير من المشاهد التي يستنتج منها حصول هذا الأمر، فلبنان اليوم بشكل أو بآخر في يد إيران، وهو كذلك حتى لو أنكر البعض هذا واعتبره نوعاً من التجني على لبنان الجميل وعلى إيران، وهذا مؤسف حقاً.
التواجد الإيراني في لبنان لا يقل عن التواجد الإيراني في العراق، ولا يقل عن التواجد الإيراني في سوريا، وبحث سريع في هذا الموضوع يوفر للباحث كمية من المعلومات يصعب على العاقل استيعابها، فالتواجد الإيراني في هذه البلدان تحديدا يفوق العادي ولا يصدق، وهو ما ينبغي عدم السكوت عنه وإلا تحول الوطن العربي في بضع سنين إلى وطن فارسي بامتياز.
وجود «حزب الله» الذي هو الذراع العسكري لإيران في لبنان وتمكن إيران من تمويله على مدى ثلاثين عاماً – حسب ادعاء نصر الله – وتمكنها من إدخال كل هذه الأموال على مدى ثلاثة عقود من دون أن يتمكن أحد من اكتشاف الكيفية التي يتم إدخالها بها ، ووجود مائة ألف صاروخ جاهز للإطلاق نحو إسرائيل في لبنان، كل هذا يعين على التفكير في ذاك الاتجاه والتساؤل بصوت عال عما إذا كان لبنان محتلا بالفعل من قبل إيران، حاله كحال العراق وسوريا؟
طبعاً من السذاجة السؤال عن الأسباب التي تمنع إيران من إطلاق صاروخ واحد من المائة ألف صاروخ الجاهزة للإطلاق من لبنان على إسرائيل أو من عشرات الآلاف من الصواريخ بعيدة المدى الموجودة في كافة البلاد الإسلامية، ومن السذاجة كذلك السؤال عن الذي سيعطي الأوامر بالإطلاق!