في سنين سابقة كان المعلم وبغرض لفت انتباه الطالب إلى الخطأ الذي وقع فيه ولفت انتباه ولي أمره أيضاً يضع تحته خطاً أحمر، وأحياناً خطين أحمرين لو كان الخطأ كبيراً، وفي تلك السنين أيضاً كان يتم وضع خط أحمر أو دائرة في الشهادة حول درجة المادة التي يكون الطالب قد قصر فيها، وكان يعبر عنها شعبياً بـ «الكيكة» ، لذا كان شائعاً عند السؤال عن نتيجة طالب معين أن يسأل الشخص عن عدد «الكيكات» التي حصل عليها وما إذا كان سيتاح له إعادة الامتحان في المواد التي رسب فيها أم أن عليه إعادة السنة بأكملها؟
في السنوات الأخيرة لم يعد المعلم يستخدم القلم الأحمر إما بسبب كثرة الألوان أو لأنه اقتنع بأن اللون الأحمر يمكن أن يستثير الطالب ويعقده ويعطي مفعولاً عكسياً كونه تحذيراً. في السنوات الأخيرة أيضاً كثر استخدام مصطلح «الخط الأحمر» وصار متعارفاً على أن وصف شخص معين به يعني أنه يحظى بقدسية معينة تستوجب حمايته من قبل مجموعة من محبيه يكونون في الغالب على استعداد للدفاع عنه وفدائه بأرواحهم، وهو مصطلح يحمل في داخله أيضاً التهديد، حيث القول إن فلاناً خط أحمر هو في وجهه الآخر تهديد لمن تسول له نفس بالتعدي على هذه الشخصية بأنه سيلاقي ما لا يرضيه وما لا يعجبه وقد يفقد حياته بسبب تجاوزه لذلك «الخط الأحمر».
«الخط الأحمر خط ممنوع الاقتراب منه حتى لو كان وهماً ومجازاً، إلّا ان على من يهدّد بالخط الأحمر أن يكون دائماً قوياً أو ذا سُلطة حتّى لا يلتف الخط الأحمرعليه»، هكذا كتب أحدهم ساخراً أو شارحاً معنى وظروف بروز هذا المصطلح الذي كثر استخدامه إلى الحد الذي سيجعله في بعض الحالات عديم القيمة، فاليوم صار هذا خطاً أحمر وصار ذاك خطاً أحمر وصار هؤلاء وأولئك خطوطاً حمراء، وصار كل من أريد له أن يكون رمزاً لمجموعة كبرت أم صغرت خطاً أحمر، واليوم صار الجميع يهدد بعدم الاقتراب من الشخص أو الشيء الذي اعتبره خطاً أحمر، فمن يقترب يجد له «شهاباً رصدا».
إحدى الفضائيات «السوسة» أعدت أخيراً نشيداً ثورياً حماسياً ومحرضاً صارت تبثه عدة مرات في اليوم اعتبرت فيه شخصية بعينها خطاً أحمر وحذرت من الاقتراب منها أو الإساءة إليها واعتبرتها في مصاف الخطوط الحمر المعتمدة لديها، كما أن مجموعة من الأفراد اعتبروا تلك الشخصية كذلك وفرغوا أنفسهم لحمايته وفدائه بأرواحهم لو أن أحداً أو جهة قرروا في لحظة ما تجاوز ذلك الخط الأحمر. والحال نفسه تم ويتم مع شخصيات أخرى اعتبرت بشكل أو بآخر مقدسة فاكتسبت صفة الخط الأحمر.
اليوم كثرت الأسماء التي صار البعض يعتبرها خطاً أحمر، وهذا يعني أن حجم التهديدات زاد وصار لزاماً على الحكومة أن تفكر ملياً قبل أن تقدم على تنفيذ أي خطوة يمكن أن تمس أحداً يندرج اسمه تحت هذه القائمة، ذلك أن تجاوز الخط الأحمر يعني تحمل «تلايا» ذلك الفعل والمتمثل في ردة فعل قوية عبر عنها المرشد الإيراني علي خامنئي أخيراً بطريقته وعبر عنها آخرون في إيران والعراق ولبنان بطريقة مماثلة وإن اختلفت التعبيرات، فكلها تحمل المعنى نفسه، وكلها تهدد المتجاوز للخط الأحمر وتتوعده بسوء الخاتمة!
في حال كهذه صار لزاماً التذكير بأن لدى الدولة أيضاً خطوط حمراء لا ينبغي تجاوزها، بدءاً من الذات المصونة لصاحب الجلالة الملك المفدى مروراً بالشخصيات السياسية المعتبرة في حكومة البحرين ووصولاً إلى الأعراف والتقاليد والقيم.