قررت في زاوية هذا الأسبوع أن أراجع كتاب « داعش إلى أين جهاديو ما بعد القاعدة» للكاتب فواز جرجس لأَني رأيت فيه قيمة علمية عالية. وبالرغم من أني قرأت عدة أعمال تتناول داعش فإن هذا الكتاب هو الوحيد بين الأعمال التي قرأتها والذي يجيب على سؤال ماهية داعش؟
وبينما أصيب العالم بالذهول جراء بزوغ نجم التنظيم الإرهابي المفاجئ وبدأ الكتاب والمثقفون كما عامة الناس باستحداث النظريات حول التنظيم؛ فمن رأى فيه مؤامرة من الغرب لبث الفرقة بين العرب والمسلمين، ومن رأى فيه صناعة استخباراتية أنتجها الموساد، يأتي الكتاب ليعطي إجابات منطقية وواضحة وموثقة.
فداعش حسب الكاتب لم « تسقط من السماء» فهي وليدة الظروف التي تمر بها المنطقة إثر «الربيع العربي». ويقتفي الكاتب أثر التنظيم إلى القاعدة في العراق التي أسسها الزرقاوي والتي ضعفت جراء الصحوات والتي اتجهت إلى العمل السري. وقد ساعدت سياسات المالكي المذهبية وسياسة اجتثاث حزب البعث القاعدة بقيادة الزرقاوي على استقطاب المجندين. كما أن الصراع الجيوستراتيجي والجيوطائفي في المنطقة شكل ما يشبه « الهدية الإلهية» لداعش وجاءت نقطة التحول الكبرى حين استطاع أبو بكر البغدادي استقطاب عناصر بعثية إلى تنظيمه.
كما يفسر جرجس خلافاً لما يظنه الكثيرون أن منظمات استخباراتية وراء تمويل داعش، يظهر كيف أن داعش مستقلة التمويل فتمويلها من خلال فرض الضرائب أو من عوائد الأصول التي تحت سيطرتها أو من خلال العمليات الإجرامية. ويشرح الكتاب كيف تمكنت داعش من التغلغل إلى حد ما في المجتمعات المحلية في المناطق التى تحت سيطرتها. كما يفند الكاتب الأيديولوجيا ويبين سر جاذبيتها للشباب خاصة من المجندين الأجانب من البلدان الغربية. ويشرح صلة داعش بالمنظمات الجهادية وكيف استطاع البغدادي سحب البسط من تحت أقدام القاعدة المنظمة الجهادية الأم.
ويخلص الكتاب إلى أن داعش هي نتاج صراع الهويات في المنطقة ونتاج فشل الدولة العربية الحديثة.
ويرى الكاتب أنه لا يمكن محاربة داعش بالقوة وحدها فهي وإن خسرت على الأرض فتختفي لحين وتلجأ إلى العمل السري إلى حين تسنح الفرصة حتى تعود وتظهر على السطح بشكل مختلف كما حصل مع سابقتها القاعدة التي ضعفت من جراء سياسة الصحوات في العراق لكنها اغتنمت فرصة «الربيع العربي» حتى تنبعث بشكل أعنف وأقوى تمخض عن داعش. وهنا يذكر الكاتب أهمية القضاء على مسببات الإرهاب ومنها حل القضية الفلسطنية التى تمثل السردية المركزية التي يستعملها كل الجهاديين في العالم. كما يشير الكتاب إلى السياسات الحالية لمحاربة داعش ومنها مراقبة الحدود التركية التي يتسلل منها المقاتلون الأجانب الذين يمثلون شريان الحياة للتنظيم نظراً لكونهم يحاربون بدافع أيديولوجي وليس مصلحياً على عكس المجندين من المناطق التي يسيطر عليها داعش والذين انضموا للتنظيم بسبب الحاجة وليس العقيدة.
والقضاء على داعش بشكل نهائي حسب الكاتب يتطلب «تجفيف الحاضنة الاجتماعية» التي يستمد منها التنظيم قوته وهو ما يتطلب إصلاحاً سياسياً ومصالحات وطنية ومذهبية وتجديد مناهج التعليم كون الأفكار الخط الأول للدفاع ضد الأفكار الرجعية وكل ذلك يمثل مشروعاً نهضوياً شاملاً يتطلب أعواماً من العمل الدؤوب.