يبلغ عددنا نحن الأميركيين السود أربعين مليون روح، وسط شعب يبلغ تعداده 320 مليون نسمة، وأخشى ما أخشاه الآن أن يصعب على أميركا البيضاء فهمنا.
لسنا كلنا نفكر بطريقة واحدة، ولا نشعر بالشعور نفسه، ولا نحب بطريقة واحدة، ولا نتعلم بطريقة واحدة، ولا نعيش أو نموت بطريقة واحدة.
غير أن هناك شيئا واحدا نتفق عليه جميعا، وهو أننا لا نحب أن نرى الشرطة تُقتل في مسيرة سلمية. لا نريد كذلك أن تقتلنا الشرطة من دون خوف من محاكمة، إذ إن قلة قليلة منهم فقط، هي التي ينتهي بها المطاف إلى السجن، رغم أن العالم شاهد حالات الموت على يد الشرطة في مقاطع صورها الناس بأنفسهم. ندرك بالفعل مدى حساسية إثارة هذا الأمر في وقت نمر فيه بأزمة عنصرية.
عشنا أسبوعا كاملا من العنف شاهدنا فيه موتا دراميا لاثنين من السود، الأول يدعى إلتون بي ستيرلنغ، والثاني فيلادنو كاستل، على يد الشرطة نتيجة لهجوم عنيف بولاية دالاس ضد ضباط شرطة لم تصلنا أسماؤهم بعد، في مشهد بدا وكأنه جزء من سلسلة لا تنتهي من القتل الذي لا يتمنى أحد أن يراه.
اختطف العنف مسيرة سلمية، وهكذا سار الجدل عن الإحساس المشروع بالظلم الذي يشعر به السود، ولذلك يجب إدانة تصرفات من أطلق النار في دالاس. بيد أن هذا كله ليس له علاقة بالحقيقة القاسية، التي يجب علينا مواجهتها إن أردنا أن نحرز تقدما ضد العنصرية، إذ يتطلب ذلك قدرا من الأمانة في الاعتراف بالمظالم التي يعانيها السود، والتي إما تجاهلناها أو أنكرناها أو قللنا منها.
وفي أعقاب جرائم القتل تلك وما نتج عنها من مظاهرات، فإن أميركا البيضاء تقول إن الأميركيين السود يقتلون بعضهم بعضا كل يوم، من دون ثرثرة، في حين نثور نحن بشكل صاعق من أجل بضعة رجال شرطة، عادة وليس دائما من البيض، أطلقوا النار ليقتلوا مواطنين سودا تتمنى أنت أن يكون أغلبهم من «البلطجية».
القول بأن هذا الاتهام عديم المعنى أمر جانبي، إذ إن الأميركيين السود يتظاهرون ضد بعضهم وضد عالم يرفض أن يصغي لهم، هذا ببساطة ما يحدث وسط تجمعات السود في الولايات المتحدة، وفي أي مكان ينضب فيه المال ويتراجع فيه الأمل، ويخلو من المدارس الجيدة، ويحرم فيه الناس من مظاهر الدعم الاجتماعي والاقتصادي، التي تمنع حدوث مثل تلك التصرفات الوحشية. في جرائم القتل عادة ما يكون القاتل من المكان نفسه.
بيد أنه من الخطأ تفسير تلك الجريمة على أنها مجرد جريمة قتل بين أسود وأسود، فهي بالأحرى مذبحة ارتكبها جار ضد جاره. فلو أن الجيران كانوا من البيض، لما كان لهم حصانة تعفيهم من الجريمة التي نزلت بالمواطنين السود كالصاعقة.
نستطيع كلنا مشاهدة المقطع المصور نفسه، لكنك تصر على أن الكاميرا لم تنقل القصة كاملة. بالطبع أنت على حق، لكنك لا تريد أن ترى أو تسمع القصة.
لتلك العيون قصص، قد تكون قصصا سيئة، وقصصا عن الانحياز والضرر، وقصصا عن كسل السود أو عن المحرومين من المدارس الجيدة. تلك الأفكار لا تجدها في الكتب المعاصرة، أو في غالبية الفصول الدراسية، لكنها أفكار تتداولها عقول البيض، وتمر من شخص لآخر.
ولذلك فإنك تطالب المحكمة العليا أن تعطيك ما سلب منك، المزيد من المقاعد في قاعات الكلية التي تسيطر عليها، والمزيد من الوظائف في قوات مكافحة الحريق والشرطة التي تسيطر عليها أيضا.
زارنا الرعب في دالاس مساء الخميس الماضي. كان الرعب صامتا، فلسنا غرباء على هذا الرعب؛ فقد جعلنا نخشى السير في الشوارع في أي وقت، فقد نقابل شرطيا برداء أزرق وسلاح ناري يسلطه علينا وينهي حياتنا، لا لشيء إلا أنه شاهدنا نبيع السجائر أو نبيع أقراصا مدمجة، أو شاهدنا نتنفس هواء أكثر مما يجب، أو نتحدث بشكل يراه وقحا، أو يرانا نعدو أو نقف، أو نتحدث، أو نصمت.
* جريدة الشرق الأوسط نقلا عن «خدمة نيويورك تايمز»