كثرت في الآونة الأخيرة التصريحات التي يدلي بها البعض للفضائيات «السوسة» والتي ملخصها أنه «طالما أن الحكومة أقدمت على هذا الفعل أو ذاك أو أنها تنوي اتخاذ هذا القرار أو ذاك فإن احتمالات الرد مفتوحة»، وهي عبارة مليئة بالتهديد وتعني أن على الحكومة أن تتحمل ردة الفعل والتي هي هنا مفتوحة على كل الاحتمالات بما فيها العنف ونشر الفوضى. أما ما لم ينتبه إليه ذلك البعض وهو يردد هذه العبارة فهو أن التهديد لغة الضعيف وليس القوي، فالقوي لا يهدد وإنما يفعل لأنه قادر على الفعل بينما الضعيف يهدد لأنه لا يستطيع أن يفعل، وهذه حقيقة، فطالما أن الشخص قادر على أن يفعل فلماذا يهدد؟ّ!
طبعاً سبب كل هذه التهديدات معروف وهو إقدام الحكومة على سحب الجنسية من عيسى قاسم الذي هو بالنسبة لذلك البعض خط يستوجب تجاوزه «لأنه أحمر» ردود فعل قوية، أما سبب التهديد بالقول إن الاحتمالات مفتوحة فمعروف أيضاً وهو أنه لا يتوفر شيء يمكن عمله، فالزاوية التي تم حصر ذلك البعض فيها ضيقة إلى الحد الذي صار يصعب عليهم التحرك بل حتى اتخاذ قرار يعيد إليهم التوازن.
من الآخر، ليس بيد أولئك أن يفعلوا شيئاً أكثر من الذي فعلوه حتى الآن، وكله محدود القيمة إن لم يكن عديمها، ابتداء من ارتداء الأكفان وانتهاء بالتجمع في الدراز. والاعتقاد بأن الحكومة غير قادرة على فض التجمع اعتقاد غير صحيح، فليس أسهل على أجهزة الأمن من تفريق التجمعات غير القانونية بالقوة خصوصاً وأن عملها في هذه الحالة قانوني. أما عدم إقدام الحكومة على مثل هذه الخطوة فيعود إلى تمتعها بالحكمة وترجيحها للعقل ولأنها لا تريد الإضرار بالمواطنين الذين تأمل أن ينتبهوا إلى أن ما جرى لا يستدعي هذا «الاحتمال» ولا غيره خصوصاً وأن التعامل مع قاسم هنا ليس باعتباره رجل دين وإنما لأنه رجل سياسة، فمثل هذه الأمور تحدث في السياسة، وتحدث للسياسيين، ولا يمكن أن تحل بردود الفعل العاطفية والعناد والتحدي. أيضاً الاعتقاد بأن عدم اتخاذ الحكومة قراراً حتى الآن بفض التجمع غير القانوني ذاك بالقوة يعود إلى تعرضها لضغوط دولية اعتقاد خاطئ، فمثل هذا الأمر شأن داخلي ولا يمكن لأي دولة أو جهة أو منظمة دولية أن تفرض على الحكومة القيام بعمل ما أو عدم القيام به، تماماً مثلما أن الحكومة لم تستشر هذه الدول والجهات والمنظمات عندما اتخذت قرارها ذاك أو غيره من قرارات، فالبحرين دولة مستقلة وما يجري فيها شأن داخلي تعالجه بالطريقة التي تراها مناسبة.
ليس هناك ما يمكن لـ«المعارضة» أن تفعله، لا في الداخل ولا في الخارج، وبالتالي ليس هناك احتمالات مفتوحة، أما اختطاف الشوارع وإشعال النيران في إطارات السيارات فهو عمل عديم القيمة خصوصاً وأنه لم ينتج مفيداً طوال السنوات الخمس الماضية. أما الاعتقاد بأن إيران ستسند أي تحرك والاعتماد على ما صدر من تصريحات في هذا الخصوص من بعض المسؤولين فيها وصولاً إلى خامنئي فليس من فعل العقلاء لأن من الطبيعي أن يقول المسؤولون الإيرانيون ما قالوه، على الأقل كي لا يقال إنهم صمتوا ولم يفعلوا شيئاً في مثل هذا الظرف. وبالمناسبة، فإن إيران ستنشغل في الفترة المقبلة بالبحث عن «الاحتمالات» المناسبة للإفلات من شراك المعارضة الإيرانية التي بدأت في باريس ولن تنتهي إلا بإسقاط نظام الملالي.
الأفضل من التهديد بالاحتمالات المفتوحة الانفتاح على العقل والواقع والنظر في حياة ومستقبل المواطنين الذين لا يزالون يعانون من سوء تصرف ذلك البعض.