تحقيقان لن نكتفي أن نخطر بنتائجهما فحسب –أياً كانت النتائج- بل لا بد أن نطلع على تفاصيلهما ومجريات التحقيق فيهما، جنباً إلى جنب أعضاء اللجنتين اللتين ستحققان في القضيتين.
السبب أن المجتمع البحريني فقد الثقة في مبدئي الرقابة والمحاسبة في مملكة البحرين.. ذكروني بآخر مسؤول تمت محاسبته في البحرين ولم يكافأ أو يسترضى بعدها؟ نعني بسمعة أفراد مقابل خسران سمعة بلد.
التحقيق الأول هو الذي يجري في وفاة المريضة في أحد المستشفيات الخاصة، هذا تحقيق يجب أن يكون شفافاً منذ البداية، نريد أن نعرف كيف ستحققون؟ لا نتائج التحقيق، لقد أصبح ما يهمنا هو معرفة «إجراءات التحقيق» أكثر من نتائج التحقيق، حتى نصل معكم إلى ذات النتائج ونطمئن.
هذه الحادثة المؤسفة التي راحت ضحيتها شابة في مقتبل عمرها تيتم من ورائها أطفال وفجعت أم وزوج وأهل. هي ليست الأولى فقد سبقتها أرواح ذهبت نتيجة أخطاء طبية أو أخطاء إجرائية في المستشفى، وفي سوابق الحالات كانت «سمعة» المستشفيات و«سمعة» الأطباء تأتي بالدرجة الأولى سابقة استحقاقات العدل والحق والاقتصاص من الإهمال، كانت سمعة المستشفى أهم من سمعة البحرين التي يتناهى إلى سماعنا ما يشاع عن الأخطاء الطبية التي تجري في مستشفياتها من داخل البحرين وخارجها وبدلاً من أن يعرف عن البحرين أنها بلد متشدد في الرقابة على المهن الطبية يعرف عنها أنها بلد «يدفدف» على إهمال مؤسساتها ويغطي على أخطائها.
حين يشيع بين الناس في البحرين وخارجها، أن الرقابة المهنية الصحية في مملكة البحرين لا تتهاون مع الإهمال في المجال الصحي، وأن المؤسسات الرقابية متشددة هناك تأكدوا أن سمعة البحرين العلاجية والصحية ستتحسن، لا «بالدفدفة» على أخطائنا بل بالانضباط تعرف البحرين أنها مقصد للعلاج السليم، وتتحرك بعدها إدارات المستشفيات العامة والخاصة، وتدب دماء المسؤولية في عروقها الباردة التي تعتني بسمعتها على حساب أرواح الناس كي تعرف أن أرواح الناس ليست «لعبة».
التحقيق الثاني الذي نريد أن نتابع إجراءاته لا نتائجه فحسب هو المخصص لمعرفة أين وقع الخلل بالضبط أثناء تسليم العهدة من شركة إلى شركة لتنظيف البلد؟
حتى لو حلت المشكلة -وهي ستحل خلال أيام- إنما الذي حدث لا يجب أن يمر مرور الكرام فهو يتراوح بين خطأ جسيم في «نظام» التسليم وبين اتهامات متبادلة بين الشركة القديمة ووزارة البلديات، مما ينبئ بأن أساس المشكلة قائم والخلل ممكن تكراره في مواقع أخرى.
فلم تكن المرة الأولى التي تنتقل فيها العهدة من شركة إلى شركة، لكنها المرة الأولى التي «نخيس» فيها بهذا الشكل المقرف، وتظهر رائحة التخبط وربما صاحبتها رائحة فساد مع رائحة القمامة!!
السؤال من سيتكلف بميزانية الطوارئ التي اضطررنا لها لمعاجلة المشكلة التي ما كان لها أن تحدث لو كان نظامنا محكماً؟ وكم بلغت هذه الميزانية؟
لن نستبق النتائج ولكننا نصر على شفافية التحقيقين، ونصر على أن تكون هناك سياسة جديدة حين تشكيل لجان التحقيق مستقبلاً، وهي الأمر بإطلاع الرأي العام على سير عملية التحقيق خطوة خطوة، من تم استدعاؤه؟ و أين تبحث اللجنة؟ وما هي دفاعات من حقق معهم؟ فبعضهم يلجأ للصحافة لإبراء ذمته وهذا يسبب ضرراً أكبر ويهز الثقة في الإجراءات، لهذا أصبح ما يهمنا الآن هو سلامة التحقيق أكثر من نتائجه.
الثقة في أدوات الرقابة تبنى من الجهتين، جهد يبذل من جهة التحقيق وجهد يبذل من المتضرر، أنتم تريدون المتضرر الذي هو «المواطن» أن يمنح الجهة الرقابية شيكاً على بياض (عمياني) على سلامة إجراءات التحقيق، في حين أنه لم يرَ إجراءً عقابياً أو تأديباً في حق أي مسؤول، بل يرى العكس ويرى الأخطاء تتكرر ويرى المسؤولين يعفون لفترة ثم يعاد تعيينهم في مكان آخر، أو يبقون في مكانهم دون مساس، هذه الحالة طالت إلى أن وصلت إلى سمعة محاكم التنفيذ حتى سماها البعض «مقابر» التنفيذ!
لهذا يا سادة عدمت الثقة في المؤسسات الرقابية والمنفذة للعقوبات، ولن نجاملكم في هذه، فهذا مؤشر خطير جداً على سمعة البلد قبل أن يكون خطراً على سمعة الجهات الرقابية، ضرر يهدم خطط التنمية وخطط النمو الاقتصادي والسياسي و الاجتماعي، ويؤثر كثيراً على تقييم أداء الدولة ومؤسساتها في جميع المجالات. والضرر الذي تخشونه من نشر نتائج التحقيق و«فضح» بضع أفراد من المقصرين، أو المهملين أو الفاسدين أو المستهينين أو المستهترين بسمعة البلد، لا يذكر إلى جنب الضرر الذي يشيع بعد سياسة التعتيم وسياسة الترضية، ما يشاع عن مملكة البحرين أنها دولة «قلبها ضعيف» لا تحاسب المقصرين ولا تعاقبهم، ودولة كهذه لا تعد محل ثقة لاستثمار من أي نوع، فأيهما أصلح لسمعة البحرين، سمعة الدولة المنضبطة من خلال قانون صارم فعال لا يتهاون مع المفسدين والمقصرين والمهملين في جميع المجالات، أم دولة «تطبطب» على أخطاء بعض أفرادها؟!!