في الوقت الذي نعلن فيه التضامن التام مع فرنسا، على خلفية الاعتداء الإرهابي الجبان الذي خلف 84 قتيلاً وعشرات المصابين، في أشنع عملية إرهابية تستهدف الدولة الأوروبية منذ سنوات، في نفس الوقت الذي نؤكد فيه على أن نسب الإرهاب للإسلام كدين أمر مرفوض تماماً.
وعليه شتان بين خطاب الرئيس الفرنسي فرانسوا أولاند وبين رئيسة وزراء بريطانيا الجديدة “المرأة الحديدية الثانية” تيريزا ماي.
فالأول -ونحن مقدرون لحجم ألمه نظير ما يصيب بلده- مضى ليعمم ما حصل على الإسلام، مستهدفاً ديننا الذي في أساسه يحرم قتل النفس، وفي أساسه دين محبة وتسامح، وكأننا به يلصق جميع المسلمين بالتنظيمات الراديكالية المتطرفة التي تستخدم الإسلام كـ”صبغة” و”شعار” مثل “داعش” و”القاعدة” و”حزب الله” و”النصرة” وغيرهم.
أما الثانية، ففي أول خطاباتها بعد استلامها منصبها خلفاً لرئيس الوزراء الذي خسرته بريطانيا ديفيد كاميرون، قالت مدافعة عن الإسلام بأن “هذه الأيدلوجية الحاقدة لا علاقة لها بالإسلام، وهي مرفوضة من طرف الأغلبية العظمى من مسلمي بريطانيا ومن مسلمي العالم”.
والقبعة ترفع للمرأة الحديدية الثانية حينما استشهدت بآيات القرآن الكريم، وأوضحت بأن القرآن يقول: “أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا”. وأن الله يقول في القرآن: “لا إكراه في الدين”. وختمت كلامها بالقول: “إذاً بلغوا هذه الرسالة .. أخرجوها من هذه الغرفة .. وداعش ليسوا إسلاميين وليسوا بدولة.
اليوم حتى ونحن ندين كل أنواع الإرهاب المرفوض، لابد ألا يكون هذا الرفض من خلال الإساءة لديننا الحنيف، وللأسف هناك من يظن بأن النيل من دينه والتقليل من مكانة الإسلام، طريق وحيد لإثبات أنه ضد الإرهاب، وفي هذا الأسلوب هوان وذل واستصغار لمعتقداتنا الإسلامية، وتضاد لما حثنا عليه ربنا في القرآن ولما علمنا إياه رسولنا صلوات الله عليه من أخلاقيات تسامح ومحبة وتآلف.
مثل مواقف تريزا كثيرة في العالم الغربي، فنعم هناك من يستغل كل سانحة وواردة لينال من الإسلام، وليلصق الإرهاب به، وليفسر مفهوم الجهاد الذي كانت عليه الدولة الإسلامية في عهد الرسول وخلفائه وكأنها دعوة مستمرة اليوم لإرعاب الناس الآمنين وقتلهم.
هناك من الغرب كثيرون من يريدون العيش بسلام، ومنهم من يدرك بأن الوسيلة المثلى لغسل العقول وتطويع إرادات البشر يكون باستغلال الدين ولصق كل شيء به، إذ مثلما كانت هناك أيام قام فيها مستغلو البشر بمنحهم “مفاتيح للجنة” حتى يقاتلوا في حروب ذات مصالح شخصية، اليوم هناك من يقول للناس انتحروا واقتلوا الناس ولكم الجنة والحور العين.
هناك شعوب تعرف تماماً طبيعة الإسلام، وتعرف بأن أهل هذا الدين ذوو أخلاق رفيعة، وأهل محبة وسلام، لكن للأسف مثل هذه الأحداث المؤسفة، مثل هذه العمليات الإرهابية تمضي لتشوه صورة الدين، وتهز قناعات ترسخت لدى الكثيرين، وبات تزايدها يؤثراً على صورة الإسلام، مثلما شهدنا في خطاب أولاند.
دولنا الإسلامية والعربية اليوم تواجه تحدياً غير مسبوق، تحدياً يستهدف سمعة دينها، باتت تهمة الإرهاب موجهة لديننا ونحن الذين أصلاً من الأوائل الذين كانوا ومازالوا يعانون من الإرهاب الذي يضرب بلادنا، ومن التحزبات والتكتلات الثيوقراطية التي اتخذت الدين ستاراً لتمارس من ورائه كل فعل آثم، وكل إرهاب وجرم يضر بالمجتمعات ويضرب أمن الناس.
على المجتمع الغربي قبل أن يلصق داعش بالأمة الإسلامية جمعاء، عليه أولاً أن يبحث في أصول داعش، من أسسها، ومن دعمها، ومن جعلها تكبر، ومن يمولها، ومن صنع منها وحشاً قام اليوم بالالتفاف عليه ليضربه بمخالبه في ظهره، ابحثوا عن الدور الأمريكي بشأن داعش، وكذلك عن الدور الإيراني، والأخيرة هي أكثر الدول تخصصاً في صناعة الإرهابيين.
رحم الله الأسطورة الرائع محمد علي كلاي، الرجل الذي لوفاته وقف العالم بأسره، أمريكا بمعظم شعبها شيعه وبكاه، ألا يفترض بأن يذكرهم محمد علي بالنموذج الحقيقي للمسلم، أليسوا هو من آثر التنازل عن جوائزه وانتصاراته وهو في قمة مجده لرفضه المشاركة في حرب فيتنام لأن فيها قتلاً لبشر أبرياء؟!
هذا هو الإسلام الحقيقي، وليس ما يفعله هؤلاء المجرمون من داعش ومن شابههم، وعلى العالم أن يعي ذلك، فقادة العرب والمسلمون أول من عزى الرئيس الفرنسي وشعبه، وأول من تضامن معه، لأنهم يعرفون تماماً ماذا يعني الإرهاب وما هي وطأته، لأن بلادهم تضررت قبل الغرب منه.
شكراً لرئيسة وزراء بريطانيا لأنها دافعت عن الإسلام في أول خطاب لها، ولأنها استشهدت بآيات القرآن الكريم.
الدنيا مازالت بخير، طالما أن في الغرب من ينصفك ولا يحاول أن يستهدفك لأنك على دين غير دينه.