ليلة مثيرة جداً، تلك التي مرت علينا وشهدنا فيها محاولة انقلابية فاشلة لإسقاط نظام الحكم في تركيا.
ليلة فيها من العبر الكثير، وفيها من الدروس التي ينبغي التمعن فيها والاستفادة منها.
أقصر «مسلسل تركي» يمكن أن تتابعه تمثل بمحاولة مجموعة انقلابيين من العسكر تقودهم شخصيات مناهضة للنظام التركي ومن ورائهم داعمين أجانب، أمريكا واحدة منهم باعتبار أنها فضحت نفسها بنفسها.
جاءت الأنباء من وكالات إخبارية تصدرتها الوكالات الأمريكية التي أعلنت سقوط النظام التركي، وأن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يتجه بطائرة لألمانيا طالباً اللجوء وأن الحكومة التركية سقطت، لكن هذه التغريدات والأخبار على وسائل التواصل الاجتماعي الخاصة بتلك الوكالات تم مسحها بعد أن ألقى أردوغان خطابا مدته 12 ثانية عبر وسائل التواصل كان سبباً في نزول ملايين الأتراك ليدافعوا عن بلادهم وشرعية نظامها.
ومع بداية أنباء الانقلاب، لوحظ التهليل لدى الإيرانيين وأذنابهم، وحتى عملائهم في داخل البحرين رصدت لهم تغريدات تهلل بسقوط تركيا، كإحدى الدول الإسلامية الكبرى التي كانت لها مواقف مشرفة مع البحرين خلال محاولة الانقلاب الفاشلة في 2011.
الأمريكان الذين اتضح جلياً بأنهم يقفون وراء ما حصل، أصدرت سفارتهم في تركيا بياناً سريعاً وصفت ما حصل بأنه «انتفاضة شعبية»، لكن مع التطورات التي حصلت والتفاف الشعب حول قيادته، خرج باراك أوباما ليقول بأنه مع الحكومة التركية ونظامها الديمقراطي وأنه مع أردوغان، في حين أن القابع خلف التحريض على تركيا ونظامها هو المناهض دائماً للحكومة والموجود منذ 1999 محمد فتح الله جولن رجل الدين، والذي تطالب الآن بتسليمه تركيا، ولن تقبل إدارة أوباما ذلك بكل تأكيد.
الفارق فيما حصل في تركيا تمثل بالمعارضة التركية التي تختلف مع سياسات النظام وخطط أردوغان بالنسبة للتنمية والتطوير، رغم أن الإنجازات التي تحققت أرقامها تتحدث بنفسها، إلا أن هذه المعارضة التركية الوطنية سجلت «أعظم» موقف مشرف يحسب لها، ويحسب لكونها «معارضة وطنية»، وضعوا ألف خط تحت وصف «معارضة وطنية».
المعارضة في تركيا، قدمت تعريفاً حقيقياً للمعارضة الوطنية التي لا تبيع بلادها لأجل مكاسبها الخاصة، ولا تقبل بأن تكون عميلة للأجنبي.
وبناء على ذلك، أعلنت المعارضة التركية فوراً وقوفها مع نظام بلادها ورئيسها ورفضت كل الرفض عملية الانقلاب ودعت الناس للالتفاف حول البلد حفاظاً على مستقبل تركيا وأمنها ومكتسباتها التي تحققت. وركزوا مجدداً على مسألة «المكتسبات»، فالمعارضة التركية أثبتت بأنها ليست «جاحدة» وليست «ناكرة» لكل ما تحقق للبلد من خير، ولم تفرق بين جماهيرها وسائر الشعب التركي.
وقبل موقف المعارضة التركية المحترمة، كان موقف الناس هو الشيء الفارق والمؤثر، إذ بالقطع لا يمكن أن يجتمع الجميع على الاتفاق مع النظام، إذ هناك وجهات نظر واختلافات بالتأكيد، وتباين بين مؤيدين ومعارضين ومختلفين، لكن القاسم المشترك هنا والذي جمع الناس، وجعلهم يتحلقون حول حكومتهم، تمثل بأنها تركيا، بأنها الوطن الذي يحتضنهم، بأنه البلد الذي خيره عليهم، وأن ضياع الاستقرار فيه يكون أولاً بضياع الأمن، ومن ثم بضياع حقوق الأفراد، وصولاً للتحول إلى غابة يأكل فيها القوي الضعيف، وقطعة أرض تمزق وفق تباينات الأعراق والطوائف، أي بصحيح العبارة نسخة طبق الأصل مما حصل في العراق الذي ضاع للأبد.
شعب وقف ليدافع عن أرضه ونظامه، اختلطوا فيما بينهم، فضاعت الهويات، وقف الإسلامي والعلماني والمسيحي صفاً واحداً ليدافعوا عن تركيا، وليضمنوا استقرارها وليمنعوا تحويلها للعبة تدار من قبل أناس يدعمهم الغرب وينصبهم في هذه الأماكن.
المولى عز وجل حفظ هذه الأرض التي كانت يوماً مصدر إشعاع لدينه، كانت تمثل آخر الإمبراطوريات الإسلامية ممثلة بالحكم العثماني الذي لو بحثنا في تاريخه لوجدنا أن أرض الأناضول وما حولها من أراض كانت شاهدة على عزة وكرامة الإنسان، فتكالب عليها الغرب إلى أن نهشها وفككها وحولها لدولة الرجل الضعيف، لتتحول بعدها إلى دولة وكأنها ناقمة على الإسلام وللأسف، ترى في العلمانية حلاً وبديلاً.
سقوط تركيا كان سيكون ذا آثار سلبية على المنطقة بلا شك، خاصة وأن أول الفرحين هم الأمريكان والإسرائيليون، وتأتي من بعدهم فلول الغرب، إذ من منهم يريد اليوم أن يرى نهوضاً وقوة لدولة إسلامية عظمى، لديها اقتصاد قوي، ولديها كلمة وموقف، ولديها تضامن قوي مع العرب ودول الخليج العربي والمجتمع الإسلامي. انظروا للحرب الممارسة على الشقيقة الكبرى السعوية لتعرفوا لماذا هلل هؤلاء في بدايات الانقلاب الفاشل على تركيا.
تبقى ملحمة الشعب التركي «رائعة» تدرس، وتفرض سؤالاً يحتاج لإجابة طويلة مفصلة، مفاده: «لماذا وقف الشعب التركي مع قيادته ورفض الانقلاب عليها ؟!”.
وللإجابة عن ذلك لنا حديث آخر.