شاب عربي يحمل جنسية فرنسية - هذه الجنسية التي يحلم بها ملايين اللاجئين عبر رحلات الموت اليومية من إفريقيا إلى أوروبا- يقوم بعملية إرهابية يودي من خلالها بحياة مئات الأبرياء بين قتيل وجريح في مدينة «نيس» الفرنسية وربما في بقية المدن الأوروبية وحتى العربية. عشرات التحليلات والتبريرات التي يضعها الكثير من المحللين السياسيين والنفسانيين والاجتماعيين للحصول على إجابات جريئة للسؤال التالي: لماذا يقدم شبابنا العربي على مثل هذه العمليات الإرهابية في دول يجب أن يحترموا قوانينها وإنسانها والأهم من كل ذلك كان عليهم أن يحترموا ويقدِّروا دينهم الإسلامي الذي يدعوهم للسلم واحترام الإنسان والتعايش مع المختلف وليس قتله بالصورة البشعة التي نشاهدها كل يوم على نشرات الأخبار؟
لا نريد الخوض في بقية التفاصيل التي تدعونا إلى أن نبرر أو نغطي كل الجرائم الإرهابية التي يقوم بها بعض الشباب العربي مع الأسف الشديد في عواصم العالم، ابتداء من بغداد وانتهاء بباريس، ففي معتقداتنا الفكرية والإنسانية ليس هنالك من إرهاب حسن وآخر سيئ، فكل العمليات الإرهابية تبقى إرهابية بغض الطرف عمن يقوم بتنفيذها، لأن ما أذهلنا بعد العملية الإرهابية الأخيرة في «نيس» أن الكثير من شبابنا وشيوخنا راحوا يهللون ويكبرون لهذه العبثية المطلقة، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على وجود خلل خطير في الثقافة العربية المعاصرة التي يغذون بها صغارنا وشبابنا بطريقة تضر كل المستقبل.
سنظل نتمسك برأي واحد يبدو أكثر أهمية من كل الآراء الأخرى، وهو أن المنابر التحريضية وعمليات غسل الأدمغة إضافة لوجود مناهج دينية متوحشة في غاية السوء والتطرف يستند عليها كل المحرضين هي السبب الرئيسي في أن تستمر العمليات الإرهابية القذرة، سواء داخل الوطن العربي أم خارجه، فكميات الفتاوى التي تجيز إنهاء حياة المختلف وتدمير الدول التي يصفها أولئك في أدبياتهم بالدول الكافرة والصليبية وغيرها جعلت شبابنا لقمة سائغة للعمليات الإرهابية الحاصلة، وحيث يوجد المحرض يكون الموت حاضراً في كل تفاصيل الحياة، ولهذا فإن الحل الأمثل يكمن في معالجة مناهجنا الدينية بكل مذاهبها وأطيافها المختلفة، إضافة لتجفيف منابع الخلل فيها وقطع الطريق على من يقوم ببناء مثل هذه الأفكار الضالة في عقول صغارنا، وقبل كل ذلك يجب محاسبة ومحاربة كل المحرضين الدمويين الذين يشجعون شبابنا العربي على الموت في الطريق الخطأ، بينما قد نجدهم وعيالهم يعيشون في مأمنٍ من كل مشهد دموي قاسٍ، ليدفع فاتورة الموت أبرياء يتسوقون في أسواق بغداد أو أبرياء صغار يقضى على زهرات حياتهم وهم يحتفلون باليوم الوطني في فرنسا، وما بين الموتين يكثر دعاة الموت وصمت الشعوب التي أوهمها المحرضون أن كل البشر يستحقون الفناء، فهل هناك أسوأ من هذا الشر؟ وهل هناك أسوأ من صمت الدول عن كل بشاعة يقوم بها دعاة الموت؟