كلما شعرت جمعية الوفاق الوطني الإسلامية (المنحلة) بأنها حشرت في زاوية ضيقة قال مسؤولوها إنها «تمثل الغالبية من شعب البحرين كونها حصدت ما يفوق 64% من أصوات الناخبين في انتخابات 2006 و2010»، واليوم وبسبب إسدال الستار على هذه الجمعية فإن من الطبيعي أن يسمع الناس هذه العبارة كثيراً، فليس أمام مسؤوليها وأعضائها بعد صدور الحكم بحلها وتصفية أموالها سوى ترديد هذه العبارة بغية القول إنها كانت تمثل غالبية الشعب وإن الحكم بتصفيتها يعني الحكم بتصفية غالبية الشعب. ومع أن طريقة الحساب هذه يشوبها ما يشوبها إلا أن المسؤولين بهذه الجمعية يصرون على ترديدها كي يوصلوا إلى المنظمات الحقوقية الدولية المتعاطفة معها والمنحازة إليها دائماً ما معناه أن الحكومة تقف في وجه ثلثي الشعب الذين هم أعضاء في جمعية الوفاق أو اختاروها ممثلاً لهم، أي أنها تعرضت لظلم كبير وأن الحكومة غير ديمقراطية ولا تقبل بما تفرزه الصناديق!
القصة الثانية التي حرص المسؤولون بهذه الجمعية على ترويجها في الشهور الأخيرة ضمن محاولاتهم كي لا تحل هي التصريح شبه اليومي للفضائيات «السوسة» والنشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي بأن الطريق البديل أمامها هو العودة إلى العمل تحت الأرض وإنشاء تنظيمات سرية. بمعنى أن الأفضل للحكومة هو أن تتعامل مع تنظيم جهري لديه مقر وعمله مكشوف بدل الخيار الآخر المؤذي والأكثر كلفة للحكومة.
نشر هذه القصة في الشهور الأخيرة أدى بطبيعة الحال إلى أن الكثيرين قالوا الكلام نفسه فور صدور الحكم بحل الجمعية. لكن هل حقيقة أن عمل جمعية الوفاق في السنين الأخيرة والذي كان على الأرض حال بينها وبين العمل تحت الأرض؟ هذا سؤال مهم، فوجود المقر لا يعني أن كل الاجتماعات تتم فيه، ولا يعني أن قرارات لا يدري بها الآخرون تصدر منه، بدليل دورها الداعم لما صار يعرف ب»إئتلاف شباب فبراير» حيث المنطقي هو أن العمل مع الائتلاف كان يتم تحت الأرض وليس فوقها، تماماً مثلما أن لقاءات كثيرة مع أشخاص وجهات أجنبية كانت تتم خارج المقر وتحت الأرض، وحتى خارج البحرين كما تردد من قبل كثيراً.
مشكلة جمعية الوفاق (المنحلة) أنها أعطت نفسها أكبر من حجمها واهتمت بنشر معلومة تدرك أنها غير صحيحة، أو على الأقل غير دقيقة، وصدقتها فظهرت بصورة أنها أكبر جمعية سياسية والأكثر تأثيراً والأكثر قدرة على تحريك الشارع والتفاوض مع الحكومة، ووصل الأمر إلى حد سكوت الجمعيات السياسية الأخرى والتي لها «مريال» في العمل الوطني والسياسي والتنظيمي عن اعتبار الوفاق أمينها العام زعيماً ل»المعارضة» في البحرين وليس زعيماً للجمعية فقط..
القصة الجديدة التي سيتم الترويج لها الآن هي أن العمل السياسي في البحرين انتهى بحل جمعية الوفاق، وهذا يعني أن أعضاء هذه الجمعية كانوا لا يرون في الصورة غيرها وبالتالي فإن حلها يعني انتهاء العمل السياسي وخلو الساحة من «المعارضة». لكن لأن هذا الأمر غير صحيح لذا فإن العمل السياسي في البحرين سيستمر ولكنه سيكون أكثر تنظيما وشفافية وأكثر خدمة للناس. أيضاً ليس صحيحاً أبداً ما بدأت تردده الوفاق من أن الحكومة تريد من «المعارضة» العمل في إطار سقوف محددة ترضى عنها، فما تحقق من مكتسبات على مدى السنوات السابقة لا يمكن للحكومة أن تضيعه لأنها هي أيضاً تريده ولأنها هي أيضاً كانت سبباً في تحقيقه.
نهاية جمعية الوفاق هي نهاية هذه الجمعية وليس نهاية العمل السياسي والجمعيات السياسية و»المعارضة» والحراك السياسي، والأكيد أيضاً أنه لا يعني أن مطالب الناس قد صدت وأنه لا سبيل لتحقيقهم أي مكاسب جديدة.