بوكيمون غو هي لعبة واقع معزز مخصص للهواتف المحمولة، وتم إطلاقها هذا الشهر من قبل شركة نيانتيكس لأجهزة أندرويد وأي أو إس. وتسمح هذه اللعبة بالتقاط ومبارزة وتدريب عدد من «البوكيمونات» الافتراضية التي تظهر في العالم الحقيقي باستخدام نظام تحديد المواقع والكاميرا، ويضطر فيها اللاعب بالنهوض من مكانه والتجول في شوارع وأماكن مختلفة للبحث عن «البوكيمونات» وجمعها. وقد انتشرت هذه اللعبة في ليلة وضحاها لتشكل هوساً عالمياً لاستخدامها. وأنه من المؤسف القول، إن الجيل العربي دائماً ما يكون سباقاً ليؤخذ حيزاً من تلك العولمة التكنولوجية الغربية.. غير الهادفة! ولدواعي غيرتي الشديدة على أبناء جيلي، فإني أطرح تلك التساؤلات: ماذا يعني مضي الوقت؟ ماذا يعني مضي الزمن؟ ماذا يعني أن تودع عاماً وتستقبل عاما؟ أن تودع أسبوعاً وتستقبل أسبوعاً؟ أن تودع الشتاء وتستقبل الصيف؟ هل هو عبارة عن تحضير كيكة مزينة بالشموع ليتم إطفاؤها والتمني بحياة مترفة لاهية، أم تمني عام نكون فيه إلى الله تعالى أقرب؟في الحقيقة، هناك من لا يشعر بقيمة الوقت، ولا يعرف له قيمة، يستهلكه استهلاكاً رخيصاً، يؤجل، يباعد، يعجز، يتكاسل، في حين يكون الوقت أخطر شيء في حياة الإنسان، لأن الإنسان هو وقت، بل بضعة أيام، فكلما انقضى منه يوم انقضى بعض منه. ولذلك أقسم الله تعالى بالعصر في سورة العصر فالليل والنهار، محل أفعال العباد وأعمالهم، لأن الزمن شيء مصيري في حياة الإنسان. ولقد دعا رسول الأمة النبي محمد صلى الله عليه وسلم: «اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، وأعوذ بك من العجز والكسل»، لإشارته صلى الله عليه وسلم إلى قيمة الوقت وأهمية الحفاظ عليه من غير تضييعه بلا فائدة وبلا جدوى، أو إمضائه في كلام فارغ أو في مناقشات عقيمة، أو في عمل غير صالح لا يعود على الإنسان بالخير في الدنيا ولا في الآخرة.ومن منظور دولي، فإنه وإن كانت اتفاقية حقوق الطفل التي اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة بموجب القرار 44/25 المؤرخ في 20 نوفمبر 1989 والتي اعتمدتها مملكة البحرين بموجب المرسوم بقانون رقم 16 لسنة 1991، قد أشارت في المادة (31 (1)) على حق الطفل في الراحة ووقت الفراغ، ومزاولة الألعاب وأنشطة الاستجمام المناسبة لسنه والمشاركة بحرية في الحياة الثقافية وفي الفنون. إلا أنها نصت في مادتها (32) على «حق الطفل في حمايته من الاستغلال الاقتصادي ومن أداء أي عمل يرجح أن يكون خطيراً أو أن يمثل إعاقة لتعليم الطفل، أو أن يكون ضاراً بصحة الطفل أو بنموه البدني، أو العقلي، أو الروحي، أو المعنوي، أو الاجتماعي». مما يجعلنا نعيد النظر مراراً وتكراراً في نوعية النشاط المستخدم في وقت فراغ الطفل، هل يمثل دافعاً وتشجيعاً لاستخدام حقه الإنساني في الراحة واللعب واستثمار وقت الفراغ، أم يشكل حقنة من أجل القضاء على فيروس تنميته عقلياً واجتماعياً!.وتأكيداً لتشجيع الطفل للمشاركة في الأنشطة الثقافية من أجل استثمار طاقاته وتنميتها بما يصب في صالحه وصالح مجتمعه، أشارت لجنة حقوق الطفل في التعليق العام رقم 17 لعام 2013 المتعلق بحق الطفل في الراحة ووقت الفراغ ومزاولة الألعاب وأنشطة الاستجمام والمشاركة في الحياة الثقافية وفي الفنون إلى ضرورة مشاركة الطفل في الأنشطة الثقافية والفنية لبناء فهم الأطفال لثقافتهم الخاصة وللثقافات الأخرى أيضاً، لأنها تتيح فرصاً لتوسيع آفاقهم والتعلم من التقاليد الثقافية والفنية الأخرى، ومن ثم الإسهام في التفاهم المتبادل وتقدير التنوع. وعلى صعيد متصل، أشارت المقررة الخاصة في مجال الحقوق الثقافية، كريمة بنون، في الوثيقة رقم A/HRC/31/59 الصادرة في 3 فبراير 2016 بأنه لا بد من إيلاء اعتبار خاص للعلاقة بين الثقافة والتكنولوجيا الجديدة التي يمكن أن تكون وسيلة لتعزيز الحقوق الثقافية والنهوض بها وعائقاً كبيراً أمامها في الوقت نفسه، ومن المجالات ذات الصلة عولمة المبادلات والمعلومات حيث ظهرت اختلالات هائلة في التوازن من حيث الحصول على وسائل الإعلام والتواصل والتحكم فيها. كما شددت المقررة أهمية بث رسالة الحقوق الثقافية على الصعيد الشعبي وبالأحرى استخدام الثقافة نفسها، بأشكالها المتعددة، كوسائل لتحقيق ذلك لأهمية التراث الثقافي من منظور حقوق الإنسان، ومبينة في الوقت ذاته بأن الشباب هم الذين يمثلون مستقبل الحقوق الثقافية، بقولها: «نحن نعيش في عالمٍ يعتبر الشباب فيه رواد الثقافة بفضل التكنولوجيا الجديدة والعوالم الافتراضية والمنتديات الرقمية، وهو ما ينشئ أشكالاً وبيئات ثقافية جديدة. ونحن نعيش في عالمٍ قد يتعرض فيه الأطفال للموت في المدارس على يد أحد رفاقهم في الصف أو على يد مجموعة مسلحة، أو وهم يؤدون عملهم في أحد المصانع عوض أن يكونوا جالسين على مقاعد الدراسة. ونعيش في عالم حيث يمكن لشخص لا يتجاوز عمره 20 عاماً أن يدمر معبداً ظل واقفاً ألفي سنة». ولا يخفى، بأن مملكة البحرين سباقة في تشجيع الطاقات القيادية وتعزيزها من خلال المفاتيح العظيمة لأبواب الأنشطة الاحترافية المفيدة، مستمدة لواجبها في ذلك من نص المادة السابعة من دستور مملكة البحرين التي تنص على أن: «ترعى الدولة العلوم والآداب والفنون، وتشجع البحث العلمي، كما تكفل الخدمات التعليمية والثقافية للمواطنين». ولذلك، يا أخي.. ويا أختي.. يا أبناء وطني الغالي.. فلنشجع بعضنا على البحث عن هدف أسمى وأنقى.. هدف يجعلنا سباقين لنصرة الخير ودحر الشر.. هدف يجعلنا أفراداً فاعلين في المجتمع.. أشخاصاً مؤثرين ومتأثرين بالأشياء اليافعة التي تساعدنا للنهوض بقوة مشكلين رمزاً للتحدي والكفاح والتميز في العالم بدلاً من هدف التجول للبحث عن بوكيمون.