لا تقتصر المأساة السورية على مستوى التوحش الأسدي في التعامل مع المعارض أو المختلف داخل الوطن، وحجم التغول الدموي لنظام البعث في تدمير الإنسان والمجتمع والدولة على مدى عقود، قبل اندلاع الثورة السورية، ووصول هذا التوحش إلى مستويات قياسية مع الثورة. فهذه المأساة تجاوزت ذلك إلى الصدمة الكبرى والمريعة من مدى التورط والضلوع «الثقافي» و «الفني» و «الأدبي» (على مستوى الأفراد والمؤسسات)، الذي كان ولا يزال يحاول التغطية والتعمية على مذابح نظام الأسد.
وعلى سبيل الذكر لا الحصر، يمكن إيراد نموذج اتحاد كتبة نظام الأسد، أو ما يعرف بـ «اتحاد الكتاب العرب» وتأكيد الدور الإجرامي الذي تمارسه هذه المؤسسة بمساندتها نظام الأسد في حربه المعلنة على الشعب السوري، قبل الثورة السورية وأثناءها، لدرجة بات معها هذا «الاتحاد» أشبه بمخفر أمني، يرصد حركة الكتاب المعارضين لنظام الأسد، ويمارس بحقهم أعتى أشكال التخوين والتشبيح السياسي والثقافي على امتداد الخمس سنوات الأخيرة.
والمثير للغرابة والتساؤل، إبقاء «الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب» على عضوية اتحاد كتبة نظام الأسد. ذلك أن الإبقاء على هذه «المؤسسة الأمنية» الأسدية - البعثية بامتياز، في «الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب»، شرف لا يستحقه كتبة نظام الأسد، بل هو إساءة إلى هذه الأسرة المؤسساتية الثقافية العربية. والأنكى من ذلك، أن يكون رئيس اتحاد «كتبة نظام الأسد» نائباً للأمين العام لاتحاد الكتاب والأدباء العرب؟!.
فضلاً عن ذلك، تعرضت هذه المؤسسة الثقافية والأدبية العربية لهجوم شرس يفضح مدى العدوانية في التعامل مع المختلف في الموقف والرأي، على خلفية إصدار الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب بياناً محايداً جداً حيال الأهوال والمجازر التي يغدقها نظام الأسد على حلب وكل المدن السورية، مطالباً الأطراف أو الجهات المتقاتلة بضرورة تجنيب المدنيين الأذى. هذا الحياد الفائض عن الحد الذي كان أقرب إلى «النأي بالنفس» عن اتخاذ موقف واضح وحازم من آلة الحرب الأسدية، لم يرض به «اتحاد كتبة نظام الأسد»، وأصدر بياناً عنيفاً بحق اتحاد الأدباء والكتاب العرب، حيث جاء حرفياً: «إننا في اتحاد الكتاب العرب في سورية نوجه أشد عبارات الاستنكار والاستهجان لما ورد في بيان الاتحاد العام الذي كان حرياً به، قبل إصداره البيان، العودة إلى رئيس اتحاد الكتاب العرب في سورية بوصفه مساعداً للأمين العام للاتحاد، وبوصف اتحاد الكتاب العرب الجهة التي كان يجب العودة إليها في هذا الشأن لمعرفة ما يجري في سورية حقاً لا زيفاً ولا تشويهاً (...) إنَ ما ورد في بيان الأمانة العامة يؤكد أن ثمة إرادات سياسية تقف وراء هذا البيان، ولا تكتفي بتشويه الحقائق وتزييفها بل تتجاوز ذلك إلى الإمعان في إراقة الدم السوري مرتين: مرة بتلك القذائف، وثانية بتوجيه اتهامات باطلة تنأى بالقاتل الحقيقي عن المشهد، وتقدمه بوصفه ضحية». وطالب اتحاد كتبة الأسد «الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب» بسحب بيانه «فوراً والاعتذار من الشعب السوري ومن دماء الشهداء الذين يسخرون في عليائهم الآن من هذه الأكاذيب والأضاليل، ويرثون أولئك الكتبة الذين ارتضوا لأنفسهم أن يكونوا أبواقاً ضالة لقوى استهدفت ولما تزل تستهدف سورية والسوريين منذ خمس سنوات».
هذا المستوى من الهبوط والضراوة اللغوية والإيغال في معاضدة الجرائم الأسدية...، لا ولن يكون مستوى الكتاب والأدباء السوريين. وعليه، حسناً فعل المفكر السوري د. صادق جلال العظم، رئيس رابطة الكتاب السوريين، بإرسال رسالة إلى «الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب»، يطالب فيه بشطب عضوية كتبة نظام الأسد، والموافقة على طلب رابطة الكتاب السوريين ممثلاً للحالة الثقافية والإبداعية الوطنية السورية، الشديدة التنوع والثراء.
وفي تقديري، أن الإنصاف والموضوعية يمليان ويقتضيان طرد المفرزة والمخفر المخابراتي (الثقافي) الذي يدعى «اتحاد كتاب العرب»، والتعامل بإيجابية مع رسالة العظم. وهذا أضعف الإيمان بالحرية والعدالة وقيم وأخلاق الثقافة المناهضة للاستبداد والفساد والإفساد. وما عدا ذلك، أو استمرار الحال على ما هي عليه، لا يمكن تفسيره إلا في إطار الموقف السياسي المساند لنظام الأسد وأدواته القمعية، ومنها ما يسمى بـ «اتحاد كتاب العرب».
* نقلاً عن « الحياة»