ليس تمجيداً لليابانيين أو الأوروبيين أو الهنود أو الكوريين أو لبعض الجنسيات الأخرى حين نصفهم بأنهم شعوب تعمل لأجل الإنسان والحياة والأوطان. فالياباني مشروع اختراعات والهندي مشروع عمل والكوري مشروع مستقبل والصيني مشروع إنتاج لا يتوقف والأوروبي مشروع تطور والفنلندي مشروع تعليم، أما حين نتكلم عن بعض الشعوب العربية فإنها شعوب استهلاكية وغير منتجة، وفي الآونة الأخيرة أصبح بعضها مشاريع خطيرة على مستقبل البشرية.
استطاعت بعض الجماعات السياسية أو الدينية المتطرفة بمختلف توجهاتها ومشاربها في عالمنا العربي أن تصنع من الشباب العربي أو من شباب المسلمين مشاريع انتحارية يفتكون بكل شيء يجدونه أمامهم، فحين يتجول الشاب العربي الإفريقي في وسط العاصمة الفرنسية أو البلجيكية أو غيرها من العواصم الأوروبية فإن الرعب والشكوك والظنون والوساوس تتجول في أذهان تلكم الشعوب الآمنة والمستقرة، فقد أصبحوا اليوم يخافون من كل ما هو عربي أو مسلم بسبب الأعمال الإنتحارية الإرهابية التي يقوم بها بعض شبابنا في المهجر، كما أن المشاهد المرعبة وغير الإنسانية التي تبثها الجماعات الإرهابية والتكفيرية من قتل وتقطيع أوصال ونحر وغيرها من البشاعات والفظاعات في بعض البلدان العربية التي تعيش صراعات سياسية ساخنة قد أعطت صورة مشوهة عن كل ما هو «عربي» أو «مسلم»، لأن الثقافة العربية الإسلامية المزورة في المرحلة الأخيرة من تاريخنا الحديث خلقت من شبابنا مشاريع انتحارية مخزية يقولون عنها بأنها مشاريع استشهادية لنشر الإسلام!
أية شهادة تلكم التي يموت فيها الإنسان وسط سوق مزدحم بالإطفال والنساء؟ وما هو نوع الشهادة التي من خلالها يفتك الشاب المسلم كل من يصادفه في الطريق من أجل معانقة الحور العين؟ وهل تحويل شوارع الدول المتقدمة إلى أنهار من الدماء والأشلاء المبعثرة في عمليات انتحارية عبثية أو عبر عمليات دهس مرعبة ستنشر الإسلام في ربوع أوروبا المستقرة أصلاً؟ أم أن كل هذه المشاريع الشبابية الانتحارية هي عبارة عن تشويه حقيقي للفكر العربي والإسلامي؟ أم هو العجز العربي عن إمكانية صناعة مشاريع متقدمة كما هو الحاصل في اليابان وأمريكا وأوروبا وغيرها من الدول المنتجة فقاموا بصناعة مشاريع تخريبية في مقابل المشاريع الحضارية والتقدمية التي يقدمها ذلكم العالم المختلف؟
يجب على العرب أن يعيدوا صياغة مشروعهم القومي بطريقة يمكن من خلالها تدارك هذه الكارثة المرعبة، فالشاب العربي الذي بدأ يكره الحياة ويعشق الموت، كما أخذ يتجه للعبثية بدل أن يكون مشروعاً حضارياً للمستقبل، يكون لزاماً عليه اليوم أن يضع قدمه من الآن على الطريق الصحيح وأن يتحول من مشروع موت إلى مشروع حياة، وهذا دور تتحمله كل الدول العربية والمجتمعات العربية والأسرة العربية وكل منظمات المجتمع المدني إضافة إلى ما يمكن أن تبذله كل المنابر الدينية المستنيرة وغير المتطرفة لإنقاذ شبابنا من الإنجرار خلف أصوات الموت وإعادتهم بكل سكينة إلى حيث النور والحضارة.