كشفت أحداث تركيا الأخيرة ومن خلال محاولة الانقلاب الفاشل في أنقرة مدى إفلاس العرب فيما يخص أوضاعها بشكل عام، كما كشفت أحداث أنقرة عدم امتلاك العرب لأي مشروع سياسي يمكن أن يتحدثوا عنه فضلاً أن يكونوا رواداً فيه، ولهذا كانت «تركيا» قبلتهم المفضلة للحديث عنها، سواء كانوا معارضين أو مؤيدين للانقلاب العسكري فيها، حتى وصف بعضهم العرب بأنهم أتراك أكثر من الأتراك.
تركيا دولة مهمة في منطقة الشرق الأوسط، ولهذا سيكون الانقلاب العسكري لو كُتب له النجاح أن يغير الكثير من شكل ومستقبل العالم العربي، لكن أن يستنفر العرب لمجريات الأحداث في تركيا بشكل كامل يفتح أعيننا بأننا لا نملك مشروعاً قومياً خاصاً بنا، وإنما ننتظر ما يجري في هذه الدولة أو تلك لنبني عليها مواقفنا السياسية وردود أفعالنا الدولية، وهذا الأمر يعتبر من أخطر الأمور التي تواجه العرب ومستقبلهم.
لا بد أن نسجل موقفاً واضحاً من أحداث تركيا الأخيرة، لكن أن نظل ننتظر حتى الصباح لما يجري في أنقرة لنبني مواقفنا الكبيرة فنسجل في سجلات التاريخ ردود أفعالٍ وليست أفعالاً نابعة من استراتيجياتنا الصريحة والمسبقة وفق معطيات ثابتة وواضحة، فاهتمامنا بالأحداث الأخيرة في تركيا شيء، وانتظار ما يجري فيها لمعرفة مستقبلنا ومصيرنا شيء آخر، فالأول يعتبر أننا يجب أن نسجل موقفاً والسلام، أما الأمر الآخر فإنه يشي بمدى اعتمادنا على مجريات الأحداث حولنا وبناء مواقفنا الدولية والسياسية في سياق تلكم المواقف والمتغيرات الدولية الطارئة وغير الطارئة، وهذا يكشف ظهرنا للعدو وإظهار مدى ضعفنا في أن نبني مواقفنا من خلال قوتنا ووضوح رؤيتنا بعيداً عما يجري حولنا بشكل كامل.
نأسف والله أن نكون نحن العرب أتراكاً أكثر من الأتراك أنفسهم أو أن نكون إيرانيين أكثر من الإيرانيين أنفسهم أو أن نكون أوروبيين أكثر من الأوروبيين، فنحن ومن هذه المنطلقات الفاسدة في الرؤى والمواقف حيال ما يجري حولنا كعربٍ ربما نفوِّت الكثير من الفرص المهمة فيما يخص بناء سياساتنا الخاصة من منطلقات سليمة وثابتة وواضحة، لكننا تعودنا ولأعوام طويلة أن نقوم بتسجيل مواقفنا من خلال أفعال الآخرين، ولهذا يؤلمنا أن نفرح أو نحزن لانقلاب حصل هنا أو حدث سياسي حصل هناك، لننتظر اكتمال المشهد لنقول كلمتنا فيها، وهذا يرشدنا إلى ضرورة أن نراجع مواقفنا الدولية وثوابتنا السياسية فيما يخص الأحداث التي تجري في المنطقة، لا أن نبني مصيرنا بيد انقلاب هنا أو ثورة شعبية هناك، فهذا الأمر لا يمكن أن يصنع تاريخاً له بصماته الخاصة والمؤثرة في حياة الأجيال القادمة، فالعرب مطالبون أكثر من أي وقت مضى أن يعلنوا عن سياستهم قبل انتظار ما يجري حولهم من أجل أن يصنعوا أفعالهم وأمجادهم بأنفسهم قبل أن ينظروا كل فعل يصدر من غير العرب.