رسالة واضحة وجهها رئيس الوزراء صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة أمؤخراً إلى كل ذوي العلاقة في الداخل والخارج ملخصها أن زمن التراخي قد ولى بعد أن استنفدت الحكومة كل محاولاتها لإعادة ذلك البعض الذي تطوع ليكون أداة في يد الأجنبي إلى رشده، وهو ما يعني أنه إذا أراد ذلك البعض أن ينفع الناس كما تقول الشعارات التي يرفعها فإن عليه أن يتوقف ويراجع نفسه ويتراجع عن الذي بدأه لأنه لن يوصله إلى شيء ولن يتمكن من تحقيق أهدافه وأحلامه وأحلام من أراد منه تحقيق تلك الأهداف، ويعني أيضاً أن من «تطوع» من الخارج، دول أو منظمات أو أفراد، كي يساهم بطريقته في حل المشكلة المحلية ويقترح المخارج لها فإن الأفضل له أن يستفيد من وقته لأن قرار الدولة هنا هو وضع النقطة في نهاية السطر وإغلاق هذا الملف الذي تسبب في أذى المواطنين جميعاً وأربك الحياة.
«بلغ السيل الزبى»، هذا هو ملخص حديث سمو رئيس الوزراء في لقائه بقصر القضيبية الأحد الماضي بعدد من كبار المسؤولين والنخب الفكرية والصحفية والاقتصادية، وأنه طالما وصل الأمر إلى هذه الحال فإنه صار لزاماً الدخول في مرحلة الكي الذي هو آخر العلاج، لذا جاءت عبارة سموه واضحة حيث قال «لا رجعة في الإجراءات التي تم اتخاذها لأنها كانت للحفاظ على أمن واستقرار الوطن والذي سيظل دائماً في مقدمة الأولويات».
تطورات الأحداث التي بدأت قبل خمس سنوات ونيف وما أفرزته من أحوال وكشفت عنه من أمور لم تكن تخطر على البال، وما آلت إليه الأحوال في المنطقة بعد التطورات التي شهدتها في السنوات الأخيرة والمتغيرات المفاجئة، كل هذه أوصلت إلى ما نحن فيه اليوم، وأوصلت إلى مرحلة صار من الصعب فيها السكوت عن كثير من الأمور، وصار لا بد من قرارات حازمة وحاسمة يتم الالتزام بها وتنفيذها بدقة.
مثل تلك الحال لا توصل إلا إلى مثل هذه القرارات. هذا للأسف ما لم يدركه ذلك البعض الذي تمادى في حلمه وفي سلوكه ظنا منه أن المتغيرات المتسارعة التي تشهدها المنطقة وما حصل عليه من وعود من دول بعينها ستؤدي في النهاية إلى إضعاف السلطة وقبولها بكل شيء وربما حتى رفعها الراية البيضاء وتسليمه مقاليد الحكم في البلاد.
ما يحدث اليوم هو نتيجة طبيعية لذلك الخطأ الاستراتيجي الذي وقع فيه ذلك البعض، فهو لم يتق الحليم، ولعله لا يعرف مبدأ «اتق الحليم إذا غضب» أو لأنه «غمي عليه» فلم يتمكن من رؤية الصورة بوضوح. لم ينتبه إلى أن ما قام به واستمر فيه كل تلك السنين سيوصل الدولة إلى مرحلة تضطر فيها إلى اتخاذ القرارات الصعبة والتي لن يجد معها القدرة على مواجهتها خصوصاً وأن من «شد الظهر» بهم سيتخلون عنه ببساطة، فلأولئك أيضاً ما يشغلهم ويلهيهم عنه.
ليس هذا فحسب، فاليوم لا تستطيع الحكومة أن تتراجع عن الإجراءات التي اتخذتها حتى لو أرادت أو قدرت أن من المصلحة العامة التراجع عنها، فالقرار بشكل أو بآخر لم يعد في يدها وحدها، والسبب هو أن المواطنين الذين ظلوا طويلاً ينتظرون قيامها بهذه الإجراءات لن يقبلوا منها ذلك فالتراجع عنها يتسبب في حرج كبير لها.
من يعرف قواعد لعبة الشطرنج وكيفية تحريك قطعها على الرقعة يستطيع بسهولة أن يعرف أن ما قامت به الحكومة مؤخراً من شأنه أن يقود ذلك البعض إلى مرحلة الـ»كش مات»، وهي المرحلة التي لا يجد الخصم فيها مفراً من الاستسلام لأنها النهاية.