عقل الإرهابي كان فارغاً حين كان طفلاً فمن صنع عقول حملة المولوتوف ومهربي المتفجرات وصناعها من الإرهابيين القتلة من أبناء البحرين؟ كيف ومتى ومن وضع في عقولهم أن تلك الأعمال جهاد ديني أو عمل مشروع؟ كيف تشكل عقلهم؟ كيف نما؟ ما هي مصادر ومنابع الأفكار فيه؟
الطفل من سن ست سنوات إلى أن يصبح عمره 22 عاماً فإن وقته من صحوه إلى نومه يقضيه في المدرسة وفي الحي وأمام الأجهزة وفي دور العبادة وفي الساحات الشعبية تلك مواقع تأخذ من وقته أكثر مما يقضيه في البيت، والدولة تتحمل مسؤولية ما يتلقاه هذا الطفل والشاب في عدد 16 ساعة يبدؤها من السادسة صباحاً إلى الثامنة مساء.
المكان الوحيد الذي ليس للدولة دور في ما يشكل عقل هذا المواطن هو البيت، عدا ذلك فإن كل المواقع لها، وعلى فرض أن البيت يغذي أبناءه بأفكار سوداوية بائسة، وعلى فرض أن تلك الأفكار السلبية غرست في المنزل، يفترض أن يكون للدولة سلطة على بقية المواقع الأخرى التي يرتادها الأطفال والشباب بما فيها الدينية، فالدولة لها أن تراقب المواقع الدينية للتأكد من عدم وجود ما يتعارض مع الأمن والسلم فيها، للدولة حق أن تشرف وتراقب وتتدخل -إن استدعى الأمر- وبالمقابل لها أيضاً حق الولوج لكل المواقع الأخرى ولديها الإمكانيات أن تهيئ وتخلق المكان والبيئة للأفكار الجميلة والخلاقة والبناءة كي تساهم في جعل هذا الإنسان الذي يرتادها إنساناً صالحاً، بل ولها أن يفوق تأثيرها على عقله تأثير المنزل.
لكن الدولة لم تضع في حسبانها كيف ممكن أن تفتح هذا العقل وتجعله يعمل ويشتغل ويفكر وينفتح على العالم ويعرف هويته ويحافظ عليها ويزن الأمور ويقيمها بدون إملاء ويعرف كيف يسأل ويستفسر ويتعلم ذاتياً، الدولة لم تفكر كيف تشغل وقت هذا المواطن الصغير وتبعده عن المؤثرات السلبية.
مشروع مكافحة الإرهاب لا يجب أن تضعه وزارة الداخلية، وزارة الداخلية هي كالمستشفيات التي تعالج المرض بعد أن يستفحل، بل هذا المشروع لا بد أن تعقد له طاولة عمل مستديرة من أعلى سلطة في الدولة واليوم وليس غداً فنحن أمام وباء منتشر كالطاعون، وعليها أن تضع خطة شاملة وتخصص لها ميزانية، تبدأ العمل بها منذ أكتوبر 2016 وتستمر على مدار السنة لا في الصيف فقط، تبدأ بمراجعة مناهج التعليم وإعادة مقررات المنطق والفلسفة وعلم الاجتماع التي ألغتها، وتمر على خطة لكيفية استغلال أوقات الشباب ما بعد الدوام المدرسي حين تفتح المدارس، وتأمر وزارة التربية أن تسلم قاعات مدارسها منذ الثالثة عصراً إلى الثامنة مساء لوزارة الشباب وهيئة الثقافة، وفي كل قاعة من تلك القاعات مدينة للشباب ومدينة لنخول.
«لموهم» من تسكع الشوارع والجلوس خلف أجهزة الكمبيوتر ومع خفافيش الظلام، اجمعوهم في أماكن نظيفة وبها أنشطة مسلية، استغلوا طاقاتهم وحبهم للتنافس بعمل مسابقات وأجزلوا العطاء في جوائزها، رغبوهم بالحضور، أشركوا هيئة الثقافة مع وزارة الشباب كي تضع لكم مشروعاً يشغل أبناء البحرين من الساعة الثالثة عصراً إلى الساعة الثامنة مساء في جميع المحافظات، خاصة في المحافظات التي بها أحداث عنف وإرهاب، القاعات موجودة والمؤسسات الراعية موجودة ولها تجربة ناجحة في خيمة نخول وفي مدينة الشباب، كل ما في الأمر أن نعمم التجربة على مدار السنة، نحتاج أمراً من القيادة ونحتاج موازنة لتشغيل الساعات الست المسائية ورؤية وهدفاً واضحاً.
تخيلوا كان عندنا مسرح ومسابقات بين المدارس في الخمسينات، وعندنا فرق موسيقية في المدارس وتنافس بينهم وجمباز ومسابقات لتلك الرياضة، دعهم يتعلموا من المسرح ومن مسابقات المناظرات ثقافات الشعوب وفنونها ليعرفوا الناس والعالم كيف تطور وكيف نما وكيف تغلب على تحدياته.
أبناؤنا بحاجة لترطيب أرواحهم وتنشيط عقولهم، وتجفيف منابع الإرهاب وسقي منابع الحياة السبيل لمنع تلك الأفكار الهدامة من التسلل لها، وما ستنفقونه عليهم اليوم سيوفر عليكم الكثير من خطط أمنية لمكافحة الإرهاب، إنه إنفاق على الرعاية الصحية يغنيكم عن الإنفاق على العلاج لاحقاً.