من المسلم أن للحق في حرية تكوين الجمعيات السياسية أهمية بارزة في التمتع الكامل بجميع حقوق الإنسان وذلك وفقاً لما جاء في نص المادة (20) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بأنه «لكل شخص الحق في حرية الاشتراك في الجمعيات والجماعات السلمية»، فضلاً عن أهمية المجتمع المدني للحوكمة الرشيدة من خلال الشفافية والمساءلة وبما يسهم في مواجهة وحل التحديات والمسائل التي تهم المجتمع مثل البيئة والتنمية المستدامة ومنع الجريمة والاتجار بالبشر وتمكين المرأة والعدالة الاجتماعية وحماية المستهلك وإعمال حقوق الإنسان كافة التي لا غنى عنها لبناء مجتمعات يعمها السلام والرخاء.وعليه، فقد أكدت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في الشكوى رقم 95/26695 بأن «تمكن المواطنين من تشكيل كيان قانوني بهدف العمل على أساس جماعي في أحد المجالات ذات المصلحة المشتركة يعد جانباً من أهم جوانب الحق في حرية تكوين الجمعيات الذي يفقد دونه أي معنى». ولذلك بأنه ينبغي للدولة أن تكفل تمتع الجمعيات بحقوق تشمل الحق في التعبير عن الرأي والحق في نشر المعلومات والحق في الاشتراك مع الجمهور والمناصرة أمام الحكومات والهيئات الدولية تأييداً لحقوق الإنسان أو حفظاً لثقافة مجموعة من الأقليات وتطويراً لها، أو دعماً للتعديلات في القانون بما فيها التعديلات في الدستور.
وقد عرّفت الممثلة الخاصة للأمين العام المعنية بالمدافعين عن حقوق الإنسان الحق في تكوين الجمعيات، بأنه مجموعة من الأفراد أو أي كيانات قانونية تتحد من أجل العمل في أحد المجالات ذات المصلحة المشتركة أو التعبير عنه أو الترويج له أو متابعته أو الدفاع عنه على أساس جماعي.
والجدير بالذكر، أن هذا الحق لايعتبرمن الحقوق المطلقة، وبالتالي فإنه من غير الجائز إغفال قيوده بحجة أن العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية وعلى النحو المنصوص عليه بالمثل في العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية أشاروا إليه، بل أن تلك المواثيق الدولية بالأحرى قد أشارت بكل صراحة إلى إمكانية وضع القيود التي تقيد حرية تكوين الجمعيات وذلك بما يتوافق مع نص القانون وبما يشكل تدابير ضرورية في مجتمع ديمقراطي لصيانة الأمن القومي أو السلامة العامة أو النظام العامة أو حماية الصحة العامة أو الآداب العامة أو حماية حقوق الآخرين وحرياتهم.
ولذلك فإن العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، أشار في المادة (22) (1) على أن «لكل فرد حق في حرية تكوين الجمعيات مع آخرين، بما في ذلك حق إنشاء النقابات والانضمام إليها من أجل حماية مصالحه»، واستطرد في الفقرة الثانية منه بأنه «لا يجوز أن يوضع من القيود على ممارسة هذا الحق إلا تلك التي ينص عليها القانون وتشكل تدابير ضرورية، في مجتمع ديمقراطي، لصيانة الأمن القومي أو السلامة العامة أو النظام العام أو حماية الصحة العامة أو الآداب العامة أو حماية حقوق الآخرين وحرياتهم. ولا تحول هذه المادة دون إخضاع أفراد القوات المسلحة ورجال الشرطة لقيود قانونية على ممارسة هذا الحق». بالإضافة إلى ما نص عليه العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في المادة (8) (أ) بـ «حق كل شخص في تكوين النقابات بالاشتراك مع آخرين وفي الانضمام إلى النقابة التي يختارها، دونما قيد سوى قواعد المنظمة المعنية، على قصد تعزيز مصالحة الاقتصادية والاجتماعية وحمايتها، ولايجوز إخضاع ممارسة هذا الحق لأية قيود غير تلك التي ينص عليها القانون وتشكل تدابير ضرورية، في مجتمع ديمقراطي، لصيانة الأمن القومي أو النظام العام أو لحماية حقوق الآخرين وحرياتهم».
ولانغفل، نص المادة (27) من دستور مملكة البحرين التي أشارت أيضا إلى أن «حرية تكوين الجمعيات والنقابات، على أسس وطنية ولأهداف مشروعة وبوسائل سليمة، مكفولة وفقاً للشروط والأوضاع التي يبينها القانون، بشرط عدم المساس بأسس الدين والنظام العام، ولا يجوز إجبار أحد على الانضمام إلى أي جمعية أو نقابة أو الاستمرار فيها».
ونشير إلى أن المجتمعات الديمقراطية لا يمكن أن تتلألأ إلا بتواجد التعددية والتسامح والانفتاح، إلا أنه عندما تشذ أهداف منظمات المجتمع المدني عن أهدافها السلمية، وتمد بظلالها ليشمل الدعوة إلى الحرب أو إلى الكراهية القومية أو العنصرية أو الدينية التي تشكل تحريضاً على التمييز أو العداوة أو العنف، أو أية أعمال تهدف إلى إهدار الحقوق أو الحريات المجسدة في القانون الدولي لحقوق الإنسان والدستور البحريني، فإنها تعتبر أعمالاً غير مشروعة وخارجة عن أصل الحق.
ويعتبر وقف عمل جمعية وحلها غير الطوعي النوعين الأشد صرامة من القيود المفروضة على حرية تكوين الجمعيات. وبالتالي لا ينغي السماح بذلك إلا إذا كان هناك خطر جلي ومحدق يؤدي إلى انتهاك جسيم للقانون الوطني، مع الامتثال للقانون الدولي لحقوق الإنسان.
لعلنا نبين، أن هناك موضوعات كثيرة ومثرية وبناءة كان من الأفضل أن تكون محور بحث وتباحث بعض من منظمات المجتمع المدني لنرتقي ببحرين أكثر تطوراً في كافة المجالات المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، بدلا من تجاذب ومداولة الموضوعات الهدامة التي تجلب «النكد» و«النحس» فقط على أرض البحرين.
ختاماً، اكتشفتُ مصطلحاً جميلاً يتداول في جنوب أفريقيا وذلك خلال مشاركتي في المؤتمر السنوي لجمعية الأمم المتحدة في نيوبي، وهو «Hakunnamattata». ومعناها: «لاتقلق... كل شيء سيكون على مايرام».يالتنا لو نضيف هذا المصطلح إلى قاموس حياتنا لننعم بحياة أكثر إيجابية بعيداً عن نكد القضايا السياسية التي تفاجأنا بمحاولة زعزعة وطننا الأم... بعيداً عن نكد أعداء النجاح الذين ينتظروننا منذ الصباح الباكر ليرمقون كوب القهوة الخاص بنا منتظرين انكساره... بعيداً عن الأحباب الذين طعنونا في قلبنا... وبعيداً عن المنافقين والمنافقات الأحياء منهم والأموات ضميراًووجوداً!