بعد أن تولى حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة مقاليد الحكم، وبدأ يخطو بمملكة البحرين نحو مزيد من الإصلاحات حاملاً معه جلالته مشروعاً إصلاحياً وطنياً شاملاً يجسد فيه طموحات وأحلام شعبه الكبير في بناء دولة عصرية حديثة يكون فيها الإصلاح والبناء والنماء منهجاً أصيلاً. وجه جلالته في ذلك الوقت عدداً من المقالات الصحفية إلى شعبه، وقد كنت محظوظة جداً بأن أنال شرف تحليل تلك الخطابات الملكية السامية التي أعتبرها نهج وخطة عمل لوضع استراتيجيات عمل يجب أن تنتهجها المؤسسات في الدولة على كافة الصعد.
واليوم سأتوقف عند مقالة خطتها يد صاحب الجلالة بعنوان «إلى الشباب.. نداء القلب والعقل» هذه المقالة التي كلما أقرأها أجزم وأؤكد على مدى بعد النظر الذي يملكه مليكنا الغالي، فما نعيشه اليوم ذكر جلالة الملك تفاصيله في تلك المقالة التي كتبها عام 2002. وسوف أحاول أن ألخص ما ذكره صاحب الجلالة في هذه المقالة لتصل إلى جميع القائمين على موضوع الشباب، ليستفيدوا منها لاسيما في ظل الوضع الراهن الذي يعيشه الشاب البحريني.
أولاً: تحدث جلالة الملك على ضرورة تربية النشء على ثوابت الهوية الحضارية للتراث الإسلامي السمح والعروبة المنفتحة على الجميع والكيان الوطني المبني على التعايش والتسامح وترسيخ الولاء. حيث أكد صاحب الجلالة هنا على مسألة «التربية»، والتربية تتقاسمها كل من الأسرة ووزارة التربية والتعليم بالدرجة الأولى، ومن الواجب تربية النشء على عدد من الثوابت والمبادئ، وهي الهوية الإسلامية العربية وتعزيز الولاء، وترسيخ مبادئ التعايش والتسامح، فمتى ما زرعت الأسرة والمقررات الدراسية والأنشطة الطلابية هذه المبادئ في نفوس الطلبة، سيصبح لدينا جيل «منتمٍ للوطن» ، «معتز بهويته الوطنية والعربية»، «يؤمن بالاختلاف ويتعايش مع الآخر بانسجام واحترام» ، حيث من شأن هذه المبادئ أن تخلق مجتمعاً متراصاً، ومتجانساً، يصعب استهدافه والتأثير فيه من الداخل أو الخارج.
ثانياً: تحدث صاحب الجلالة عن ضرورة «تحديث عقول الشباب» وتزويد النشء بمبادئ الثقافة العامة في التطور الحضاري للإنسانية بما يزرع التفكير العلمي والعقلي السليم ويعزز نضجه السياسي، مؤكداً جلالته بعدم الاقتصار على التحديث المادي، وذكر جلالته حرفياً « إن انشطار العقل بين التكنولوجيا وفراغ الفكر لا تؤتمن عواقبه». وها نحن نر ما ذكره صاحب الجلالة واقع أمام أعيننا فالتطور التكنلوجي والمادي طال شبابنا وهم في جهل وفراغ فكري مما جعلنا نرى شباباً يستخدم وسائل الإعلام الإلكتروني، ويوجه طاقاته في «السب والشتم، وتقاذف التهم، بل تعدها إلى أن يقوم بالتحريض والإرهاب والتخريب!! إن أي عملية «تحديت» على أي صعيد يجب أن ترادفها حركة تحديث «للعقول»، فلا يعقل أن «تتحدث الأنظمة والقوانين، ويبقى الفكر والعقل على ما هو عليه»!!
ومسؤولية تحديث العقول مسؤولية كبيرة ومتشعبة وتقع على عاتق العديد من الجهات مثل الأسرة، ووزارة التربية والتعليم، ووزارة شؤون الشباب والرياضة، ووزارة شؤون الإعلام والجمعيات والنوادي والمراكز، ومعهد التنمية السياسية، بل إن عملية تحديث العقول يجب أن تكون هدفاً استراتيجياً في جميع برامج الحكومة بلا استثناء. إن عملية «تحديث العقول» تضمن أن يكون الشاب واعياً، ومدركاً، حيث يعد هذا التحديث بمثابة التحصين لهذا الشاب من أي أفكار قد تخترق عقله سلباً، وتوجهه توجيهاً لا تحمد عقباه.
ثالثاً: تحدث جلالة الملك حفظه الله عن موضوع في غاية الأهمية وهو «مخرجات سوق العمل»، مؤكداً على ضرورة الإعداد المهني المتقدم والمجزي والذي لا يستلزم بالضرورة الدراسة الجامعية إلا للمستعدين لها، وذلك لتلبية الطلب في سوق العمل الذي أصبحت مخرجاته التربية في العالم المتقدم تضعه في مقدمة أهدافها.
هذه النقطة في غاية الأهمية وهي من أهم المشكلات التي يعاني منها «سوق العمل» وهو عدم التوازن بين احتياجات سوق العمل وبين المخرجات العلمية، فمعظم الشباب اليوم ينخرط في الدراسة الجامعية دون أن يعرف مدى ملاءمة تخصصه لسوق العمل. حيث إن انعدام وجود خطة وطنية توضح لنا بشكل عام احتياجات السوق من الوظائف، ستجعل الجامعات تخرج لنا قائمة من العاطلين عن العمل، وترفع نسبة البطالة، كما أن افتقار التسويق للدراسة المهنية ستجعل الشباب في عزوف عن هذه الوظائف التي يحتاجها سوق العمل.
لا أنكر إن هناك خططاً «بسيطة» وتحركات «بطيئة» في هذا المجال، إلا أنها غير كافية فقائمة البطالة «الجامعية» في تزايد نتيجة لافتقار خطة واضحة لأهم التخصصات التي يتطلبها السوق البحريني او الخليجي إذا ما افترضنا أن البحريني يرحب بالعمل في دول الجوار.