ليس هناك «طاولة مركزية» تعمل على «الملف السياسي» بشموليته لمعالجة أسباب ما حدث عام 2011 من جذوره، شمولية تتجاوز شؤون السلطة التشريعية والجمعيات السياسية، شمولية تضع خارطة البحرين على تلك الطاولة وتنظر في كيفية فك عزلة مناطق وإعادة دمج فئات وتطبيق وسيادة القانون على الجميع ونشر وعي جديد يتفق مع استحقاقات مملكة دستورية جديدة.
ملف سياسي تعقد له لجنة مركزية تجتمع كما يجتمع مجلس الوزراء مرة في الأسبوع على الأقل، تجلس وتتباحث في كيفية تفتيت كتل صماء اختارت العزلة طوعاً، وكيفية إعادة إدماج آلاف مؤلفة من المواطنين في مشروع بناء الدولة، بعد أن عاثت جماعة الولي الفقيه فساداً في وعيهم وفي علاقتهم بالدولة.
أمامنا مشكلة جماعات معزولة، عملت جماعة الولي الفقيه على عزلها مستعينة بكل أدواتها الدستورية المتاحة لها بحرية تامة دون رقابة ودون ضوابط طوال السنوات العشر الأخيرة من منابر دينية وجمعيات سياسية وصحيفة وجميع تلك الأدوات كانت مرخصة وبعضها غير مرخص ويعمل دون حساب للدولة، وحجم الاستدعاءات للنيابة للتحقيق في مخالفاتها القانونية، وعدد من يحال منها للمحاكمة، يدلنا على حجم التسيب الذي كان موجوداً وحجم المشكلة التي خلفتها تلك الفوضى.
المنابر الدينية والجمعيات السياسية والصحيفة قادت المجتمع بعكس اتجاه الدولة سحبته لخارج نطاق الوطن وخارج نطاق القانون وحللت له هجر الدولة ومقاطعتها، من يعمل الآن على معالجة آثار هذا الدمار الشامل؟ مؤسساتنا الحكومية؟ جميعها تتحرك باجتهادات فردية في هذا الملف السياسي بلا رابط بينها وبلا جامع وبلا جهة مركزية تدير مشروع الدولة المصيري هذا.
نحن نتحدث عن مشروع يعمل على خلق مفهوم المواطنة في ظل مملكة دستورية، بعد أن شكلت الجمعيات المؤدلجة ذلك المفهوم وفق مصالحها وأجندتها تشكيلاً جعل من خيانة الوطن أمراً مشروعاً ومجازاً شرعاً وقانوناً وفق مفاهيم ممسوخة «للقانون الدولي»!! ونتحدث عن تفعيل وتنفيذ لقوانين معطلة وعن سيادة للقانون واحترام للقضاء، ونتحدث عن مشروع فك للعزلة الجغرافية والديمغرافية جنباً إلى جنب مع خلق وعي وطني، إننا نتحدث عن إعادة غرس لهوية وجذور مسخت، وأنهيت علاقة فئات كبيرة من المجتمع بالدولة.
جماعات كبيرة وكثير من أفرادها لهم وظائفهم لكنهم معزولون عن الدولة، أكملوا تعليمهم وربما التعليم العالي على حساب الدولة وبعضهم له تجارته ويستفيدون من كافة خدمات الدولة التعليمية والصحية المجانية والسكنية وكل ما هو مدعوم منها، لكن علاقتهم بالدولة تنتهي بالتمتع بحقوقهم منها فقط، ويرفضون رفضاً باتاً أي التزام من أي نوع تجاهها حتى وإن كان احتفائياً رغم أن الدولة أدت ما عليها تجاههم.
تتحمل الدولة مسؤولية عزلتهم بلا أدنى شك، إذ تعتقد الدولة أن مهمتها انتهت بعد التصويت على الميثاق وتكليف وزارة التربية والتعليم في وضع مقرر للمواطنة، أو معهد للتنمية السياسية أو إعلام أو مؤسسة للشباب لخلق هذا الوعي وإعادة تشكيله، كل هذه المؤسسات تعمل إنما باجتهادات فردية منعزلة لا جامع لها ولا تتحرك وفق رؤية مشتركة واضحة، وليس هناك قياس ولا مؤشرات ولا استدلال بأن الأهداف تحققت، وما نراه أن العكس قد حدث، أن الجماعة استخدمت ما هو متاح لها لتعزل تلك الفئة والدولة عجزت بما لديها من إمكانيات عن دمجها.
تعتقد الدولة أن دمج هذه الفئة مستحيل لأن التحديات كبيرة ولأن المعوقات كثيرة ولأن المقاومة كبيرة، هي تفتح باباً وعشرات المنابر تغلقه وأولها منبرهم الإعلامي أي صحيفتهم.
وذلك اعتقاد غير صحيح، دمجهم ممكن وإن وجد تحديات، وفك عزلتهم ممكن وإن صادف عقبات، وإعادة اللحمة الوطنية وخلق هوية وطنية جامعة ممكن، وهذا يحتاج إلى طاولة مركزية تدير هذا الملف بشمولية، ولا تحصر الاهتمام بالملف السياسي بإدارة شؤون السلطة التشريعية الجمعيات السياسية وترك المؤسسات الرسمية والأهلية تجتهد وحدها بانفراد، في حين أنه على الجانب الآخر أوجدت الجماعة القيادة المركزية التي أدارت الملف بشمولية فاقت وتجاوزت من أمسك الملف السياسي وذلك ما مكنها من أحداث 2011.