لقد نقل المجتمع البحريني نقلة نوعية وحدثت له انعطافة تاريخية حين صوت على الميثاق وعادت دورة الحياة النيابية إلى الدوران فيه، إنما المشكلة أنه بدأ يمارس حقوقه دون أن تتاح له فرصة فهم واستيعاب وتدارس فحوى ما صوت عليه بتفاصيله.
والبحرين لم تكن هادئة حين التصويت على الميثاق حتى تكون النقلة سلسة وهادئة إنما كانت قد خرجت للتو من مرحلة صراع دام خمس سنوات، وبالتصويت على الميثاق أتيح لأعضاء حركة إرهابية هي «حركة أحرار البحرين» التي حرقت البحرين في 1995 أن تكون جزءاً من سلطات الدولة فجأة ودون سابق تهيئة، ولأعضائها وتيارها حق العمل السياسي بكل أدواته دون سابق تأهيل من تشكيل لحزب وترشيح وانتخاب وتأسيس جريدة وشراء مقرات وجمع أموال واتصال بسفارات ومنظمات دولية، وتشكيل نقابات عمالية ومهنية واتحادات نوعية و..و..و كل ذلك دون تمهيد ودون تأهيل للانتقال بالأجندة من أجندة لثورة إلى أجندة لدولة، فحرقوا البلد خلال عشر سنوات!
اعتقدت الدولة أن مجرد إتاحة الفرصة للحركات الإرهابية أن تشتغل بالسياسة علناً وبمجرد تصويتها على الميثاق ممكن أن يحولها إلى حزب سياسي، وهذا اعتقاد ساذج خاطئ، واعتقدت الدولة أن الطائفية ستذوب حين يتاح للمجتمع الانشغال بالسياسة وذلك فهم خاطئ أيضاً، واعتقدت الدولة بأن المجتمع حين تتاح له فرصة اختيار ممثليه للعمل السياسي سيعرف كيف يختار، وهذا أيضاً اعتقاد خاطئ، لقد سلمنا أدوات خطرة جداً في يد من يمسكها لأول مرة دون تأهيل ودون توعية ودون تدريب، واعتقدت الدولة أن «المناضلين» السابقين حين يصلون للغرفة المنتخبة الرقابية والتشريعية سيتمكنون من فهم واستيعاب اختصاصات وصلاحيات تلك الغرفة.
إنما ثبت بعد ثلاثة عشر عاماً أننا شكلنا أحزاباً خطأ واختياراتنا في الانتخابات خطأ وممارسة نوابنا في البرلمان خطأ، مسافة ضوئية تفصل بيننا كمجتمع وبين الأدوات التي أتيحت لنا.
الإعداد لمواطن صالح مواطن في دولة دستورية هو مشروع دولة، ولا يعني أننا نعد لمواطن لا يعرف ولا يطالب بحقوقه ولا يشتغل بالسياسة، أبداً.. بل يعني الإعداد لمواطن يعرف التزاماته تجاه الدولة بقدر ما يعرف حقوقه، مواطن متزن في أدائه يؤدي التزاماته لها بقدر ما يطالب بحقوقه منها، ويعرف أن للإخلال بالالتزامات عقبات وعقوبات، وأن هذه هي القواعد والمبادئ التي بنيت عليها الدساتير و«العقود» في كل المجتمعات، أبجديات كانت غائبة تماماً عن تشكيل عقلية معظم المواطنين، لا فئة كانت تحارب الدولة فحسب، الوعي لا يأتي تلقائياً أو عشوائياً أو بمرور الزمن، كيف نخلق مواطناً واعياً سليماً معافى كيف ندمج الفئات التي تقاطع الدولة، كيف نفتت تلك الكتلة الصماء المعزولة عن الدولة ونعيد تشكيلها «بحرينياً»؟ كان هذا المشروع هو الذي يجب أن يكون الشغل الشاغل للدولة من بعد التصويت مباشرة، وهو ضخم لكنه ترك بلا راعٍ وبلا صاحب ولا ممسك لزمامه، متروك هكذا ليس له طاولة مركزية وليس له متابعة حيثية مفروض أن تكون يومية في مثل حالتنا قياساً بالتحديات التي مررنا بها، ملف كهذا ما كان يجب أن يترك لينمو نمواً عشوائياً.
إن لم يكن هناك مشروع شامل يجمع تحت مظلته كافة المؤسسات المعنية ويحركها مايسترو مشرف عليه يحصد نتائجه على أقل تقدير في عام 2018 فإننا أمام استمرار لحالة الانحدار الخطير.