«لا تحدث الناس عن دينك، دعهم يرونه في سلوكك، فالناس يثقون بما يرون لا بما يسمعون.. لا تقل لهم إن دينك دين النظافة وأنت ترمي مخلفاتك بحديقة عامة». هكذا كتب أحد الناشطين بمواقع التواصل الاجتماعي ملقياً الضوء على مشكلة كبيرة تؤرق مجتمعنا حيث البعض يعتقد أن النظافة تتحقق فقط بتوفر شركة إزالة القمامة وزيادة عدد الحاويات بالأحياء السكنية ورفع تلك المخلفات يومياً، وهو خطأ كبير، ذلك أن ما تقوم به تلك الشركة ليس إلا جزءاً من العملية لا يمكن أن تتحقق به النظافة الكاملة. النظافة سلوك لا يتوفر للأسف لدى الكثيرين.
جولة في بعض القرى والمدن كفيلة بتأكيد هذه الحقيقة المرة، وهذا يعني أن ما تعلمه الأبناء في المدارس على مدى السنين الماضيات بقي في حيز المعلومة ولم يتحول إلى سلوك، ويعني أن السلوك السالب هو المسيطر، خصوصاً وأن المخالفين يؤمنون بأن إزالة الأوساخ من الطرقات هو من ضمن عمل الكناس الذي يحصل مقابل عمله على راتب ينبغي أن «يحلله».
في إحدى السنوات ضاقت بإحدى إدارات المدارس الابتدائية الحيل ولم تعرف كيف تمنع التلاميذ من إلقاء ما بأيديهم من مخلفات في السلال المخصصة لها والمتوفرة بكثرة في الساحة، فاتخذت قراراً بقرع جرس انتهاء الفسحة قبل خمس دقائق من الوقت المخصص لها يقوم خلالها التلاميذ بالتقاط كل ما يرونه في الساحة من مخلفات قاموا برميها، فكان التلاميذ يعملون كما النحل في تلك الدقائق ولا يدخلون صفوفهم إلا والساحة نظيفة. ولأن القرار كان خاطئاً لذا سعى بعض المعلمين إلى إقناع الإدارة بأن الأفضل هو زرع السلوك في نفوس التلاميذ بدل اللجوء إلى هذا النوع من الحلول، وبدل أن يقوم التلاميذ بتنظيف ما قاموا برميه في الساحة من ورق وعلب عصير وبقايا طعام يتم تعويدهم على عدم رمي شيء إلا في المكان المخصص له ليتخرجوا وقد اكتسبوا سلوكاً يفيدهم مستقبلاً ويعود بالنفع على مجتمعهم. ولأن الإدارة كانت متفهمة لذا تراجعت عن قرارها وسارعت إلى البحث عن حلول أخرى.
ليس بالضرورة اللجوء إلى معاقبة من لا يلتزم برمي الأوساخ في الحاويات المخصصة لها حيث العقاب يعطي في بعض الأحيان مفعولا عكسيا، الأهم هو أن يقتنع أولياء الأمور بأن هذا السلوك خاطئ وأن يعودوا أبناءهم على عدم القيام به، وقبل ذلك أن يصيروا لهم قدوة فلا يرموا شيئاً يؤدي إلى أن تتحول الأحياء السكنية في القرى والمدن إلى ما هي فيه الآن، فالنظافة ليست مسؤولية الشركة المعنية بإزالة القمامة فقط وليست مسؤولية الحكومة فقط أو الوزارات والإدارات المعنية بها فقط ولكنها مسؤولية كل فرد من أفراد هذا المجتمع ؛ مواطناً ومقيماً أو زائراً، كبيراً وصغيراً.
يخبرني أحدهم أنه زار مؤخراً إحدى المدن بدولة خليجية وأنه لاحظ أن أحداً لا يرمي ولو ورقة صغيرة في غير المكان المخصص لها بل أن السكان على اختلافهم يحرصون على تصنيف قمامتهم قبل وضعها في المكان المخصص لها.
في بعض المدن الأمريكية لاحظت وجود غرفة صغيرة في كل طابق بالعمارات الحديثة يضع سكانها ما يعرفون أنه يمكن إعادة إنتاجه من مخلفات في كيس شفاف يركن جانباً بينما يضعون القمامة في كيس أسود اللون ويرمون به عبر نافذة في تلك الغرفة تأخذ الكيس تلقائياً إلى الأسفل عبر ممر خاص من دون أن يراه أحد وليدخل مباشرة إلى جهاز خاص بكبس القمامة التي يتم دفعها آليا في السيارات المخصصة لهذا الغرض. طبعاً الإبداع ليس في هذا ولكنه في سلوك الناس الذين يدركون أن التزامهم بالنظافة يقابله استمتاعهم بالصحة.