في أقل من شهر تشكلت ثلاث لجان للتحقيق واحدة في وزارة التربية للبحث في مسؤولية المدرسة التي كانت ترتادها الطفلة «زهرة» و لجنتا تحقيق في «مجلس الصحة» للتحقيق في مسؤولية مستشفيات خاصة في موت سيدتين ارتادتا هذه المستشفيات، و ذلك للتحقق من وجود شبهات «جنائية» أو شبهات «إهمال» تطالها.
كثرت لجان التحقيق في حوادث موت الأطفال تعذيباً أو غرقاً أو اختناقاً و مؤخراً اختطاف و فقدان أثر، و كذلك كثرة لجان التحقيق في حوادث الموت المفاجئ في المستشفيات الخاصة و العامة في الأعوام الأخيرة، مما يدل على أن نظام «الرقابة و الوقاية» يعاني من خلل في مكان ما يستدعي المراجعة لم تعالجه لجان التحقيق السابقة.
هناك خطوات مفقودة في تلك الحوادث كان بإمكان لجان التحقيق السابقة أن تعالجها وذلك أهم من إحالة الأمر للنيابة فقط سواء كنا نتحدث عن وزارة الصحة أو وزارة التربية أو أية وزارة أو مؤسسة أخرى، فنتائج التحقيق في الحوادث السابقة كان من المفروض أن تضع حلاً ومعالجة لثغرات في انظمتنا الرقابية في المستشفيات والمدارس لتحد على أقل تقدير إن لم تمنع تكرار مثل تلك الحوادث من الوقوع، لكنها خطوات لم تتخذ و لم تراع ولا ندري إن كانت لجان التحقيق التي شكلت نظرت في نظام المراقبة والتبليغ والوقاية مثلما نظرت في البحث عن الجاني أم لا؟ ولهذا لابد من مراجعة نظام «لجان التحقيق» قبل مراجعة «أنظمتنا» وقبل النظر في معاقبة الجناة فحسب.
فلا تنتهي المسؤولية عند لجان التحقيق، بل تبدأ منها، و لاتعتقد المؤسسة أنها برأت ذمتها بتشكيل لجنة تحقيق، فتلك اللجان لم تشكل لقتل النواطير أي للبحث عن أول شماعة تزيل عبء المسؤولية عنا فحسب ومعاقبة المخطئ أو الجاني من قبل مؤسسة أخرى، إنما وجدت اللجان كي تضع يدها على الخطأ الموجود في أنظمتنا أولاً وتعلن عنه وتقر به وتبدأ بإصلاحه ومعالجته. حينئذ يصبح لتلك اللجان معنى وهدفاً مجدياً.
مبدأ الرقابة المتمثل في لجان التحقيق الداخلية بشكل عام ما وضع إلا للبحث عن أوجه القصور في الأنظمة ومعالجتها أكثر مما هو لمعاقبة المخطئين، هذا ينطبق حتى على الرقابة المالية، ولجان التحقيق ما أنشئت إلا لهذا الغرض، أي لسد الثغرات التي تمنع تكرار الخطأ وتسرب الأموال أو وقوع الحوادث.
يؤسفنا أن تعنى كل مؤسسة بإبراء ذمتها فوق أي اعتبار والإسراع في البحث عن شماعات تحمل وزر الأحداث، يؤسفنا أن لا نمتلك ثقافة الإقرار بالخطأ وتحمل المسؤولية فتلك شجاعة لا نمتلكها فلم نسمع عن مؤسسة نشرت بياناً يوماً ما تعتذر فيه للناس عن أخطاء في نظامها أدى إلى خسارة روح بشرية، بل كل يبحث عن كبش فداء يحمل وزر المسؤولية بدلاً من المؤسسة.