مرة أخرى، يبرز اسم إيران على محاضر وتقارير تتعلق بانتهاكات الحقوق والحريات والتمييز، ويتكرر اسم هذه الجمهورية التي صنفت من الدول القامعة للحريات والمنتهكة لحقوق الإنسان، تكرار تلك التصانيف ضد إيران يجعلنا نعتقد أن مسلسل الانتهاكات والقمع والتنكيل والتمييز فيها لن ينتهي، وكأنه مسلسل مستمر عرضه، وليس هناك حلقة أخيرة منه.
وفي هذه المرة، بريطانيا قامت بكتابة سيناريو وأخرجت «حلقة جديدة» من الانتهاكات الإيرانية، وأقصد هنا التقرير الذي أصدرته وزارة خارجيتها مؤخراً، والمشتمل على انتهاكات إيران لحقوق الإنسان وممارسة القمع والتنكيل بالحريات والتمييز ضد المرأة، وهي صفات ليست مستغربة أو جديدة على النظام الإيراني الذي يلجأ إلى قمع وتنكيل واضطهاد كل من يخالف توجهاته أو آرائه أو سياسته ذات الأفق الضيق، فهو نظام لا يؤمن بتعدد الآراء أو المذاهب أو الأفكار، وأن «الود» فاسد أمره عند إيران إذا وجد هناك من يخالف آراءها أو يختلف معها.
والنظام الإيراني يلجأ دائماً إلى «الاختصار» في التصدي لمخالفيه فلا يحب «إطالة» الدرب عليه، والاختصار هنا بلغة هذا النظام هو الموت عن طريق الإعدام، وهو بالضبط ما ركز عليه تقرير وزارة الخارجية البريطانية الذي تناول حالات الإعدام التي نفذتها إيران في النصف الأول من هذا العام، حيث أشار التقرير إلى أن إيران أعدمت 170 شخصاً خلال الأشهر الستة الأولى من 2016، أي بمعدل إعدام شخص واحد كل يوم طوال الستة شهور الماضية، وذكر التقرير أن حالات الإعدام تلك تأتي تباعاً لسلسلة من الإعدامات التي نفذتها هذه الجمهورية طوال السنوات الماضية، مستشهداً التقرير بالعام 2015 الذي تم فيه إعدام ما بين 966 إلى 1025 شخصاً.
التقرير البريطاني ذكر أيضاً أن النظام الإيراني مارس قمع الحريات والتنكيل بالصحافيين.
والمنتقدون لسياساتها من نشطاء المجتمع المدني الإيراني إلى جانب ممارسة هذا النظام التمييز ضد المرأة وانتهاك حقوقها.
طبعاً، تلك الانتهاكات الشنيعة التي ذكرها تقرير الخارجية البريطانية ليست جديدة على النظام الإيراني، ولو أخذنا حالات الإعدام في إيران نموذجاً، فإن إيران أعدمت شخصاً واحداً كل يوم منذ مطلع هذا العام وحتى انتصافه، ولكن في العام 2015 فإن حالات الإعدام بلغت شخصين اثنين على الأقل يومياً، وذلك لو أخذنا الحد الأدنى لحالات الإعدام التي ذكرها التقرير وهو 966 حالة.
إن ما يمارسه النظام الإيراني من انتهاكات لحقوق الإنسان ربما لم تصل إليه دولة أخرى، ويمكن تصنيف إيران بأنها من أسوأ الدول في العالم تعدياً على الحقوق وانتهاكاً للحريات، وازدراءً للتعددية والاختلاف، وعليه، لا يحق لإيران ونظامها البائس التفوه أو انتقاد أو التقليل من حجم الحريات والحقوق في دول أخرى، فذلك ليس ملعبها، وتلك أوتار لا تجيد إيران العزف عليها، فهي فاقدة لمبادئ مثل الحقوق والحريات والمساواة ولا يمكن أن تعطي فيها، ففاقد الشيء لا يعطيه.
من أجل ذلك كله، إيران لن تكون أبداً الناطق باسم الحقوق الحريات والمساواة، وعليها أن تكون آخر دولة في العالم تتحدث عن تلك المبادئ السامية، لأنها أكثر دولة اضطهاداً وتنكيلاً لها، ولا تقيم اعتباراً ولا مراعاةً لأي منها.
وقد يقول قائل، ان هذا التقرير مصدره بريطانيا التي أيضاً تنتقد الحريات والحقوق في دول أخرى وتتدخل في شؤونها الداخلية، ونقول نعم دول مثل بريطانيا وأمريكا وغيرهما من دول الغرب قد تنتقد مستوى الحريات والحقوق في دول أخرى، ولكنها أيضاً ليست بمنأى عن النقد كذلك، ومثلما أعطت دول الغرب لنفسها حق النقد لغيرها، فعليها في المقابل أن تتقبل أيضاً الانتقاد الذي قد يطالها في مجالات الحقوق والحريات، ولكن، ومع ذلك، فإن حجم الانتهاك والاضطهاد والتمييز في إيران لم تصل إليه دول أخرى، بل إن إيران هي صاحبة «الامتياز والتفوق» في اضطهاد الحقوق والتنكيل بالحريات والتمييز ضد الآخرين، فلا يجاريها أحد في ذلك «الامتياز».