نبه رئيس الوزراء صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة «المهرولين خلف الأوهام التي تصورها لهم بعض السياسات التي لا تريد لأوطانهم الخير» إلى أن «يروا بأعينهم اليوم ملامح المستقبل الموعود الذي بات عنوانه واضحاً في الخراب والدمار والتشريد» ودعاهم إلى «إمعان النظر في الوضع المأساوي الذي آلت إليه بعض الدول وما خلفته التدخلات الخارجية فيها والاختلاف بين شعوبها من حالة فوضى جعلتها بيئة طاردة للأسف حتى لأبنائها».
عبارات بليغة لخص بها صاحب السمو الأسباب التي أوصلت العديد من الأقطار العربية إلى ما هي فيه اليوم من معاناة وآلام، وقدم وصفاً موجزاً لما ستؤول إليه أحوال كل بلد يهرول أبناؤه وراء الأوهام التي يصورها لهم أولئك الذين لا يريدون لهم ولأوطانهم الخير، فهذه المعطيات لا توصل إلا إلى هذه النتيجة.
ما تفضل به صاحب السمو ليس جديداً فقد قال هذا الكلام منذ بدايات ما سمي بالربيع العربي، حينها قال ما معناه إن هذه الأحوال ستوصل إلى تلك الأحوال وإن شراً يراد بالأقطار العربية وإنه إن لم تنتبه الشعوب إلى ما يراد لها ستحل في بلادهم الفوضى وستضيع. وهذا هو للأسف ما حدث ولايزال يحدث. الجديد في رأي سمو رئيس الوزراء هو تبين الآخرين صدق تحليله ودقة قراءته للساحة وتطوراتها. ولأنه صار لزاماً أن تنتبه الشعوب الأخرى التي لم تتعرض أقطارها إلى ما تعرضت إليه أقطار أشقائها بعد لذا فإن سموه قدر أن الوقت قد حان لبيان كل ذلك للشعوب خصوصاً تلك التي يهرول بعض منها خلف تلك الأوهام التي هرولت خلفها من قبلهم شعوب أخرى اعتقدت أن الأمور طيبة مثلها، وأن قلوب الآخرين نقية مثل قلوبها.
ملخص حديث صاحب السمو في هذا الخصوص هو أن من يريد لوطنه وأهله السوء والمستقبل المظلم فليواصل السير في الطريق الذي لا يربح منه سوى أعداء الوطن ومن لا يريد الخير له ويعتبره مجرد أداة تعينه على تحقيق مآربه، فنهاية هذا الطريق هو الخسران، وهو ما تبين بوضوح، فالشعوب التي صدقت ما قيل لها واعتقدت في لحظة أن الشعارات التي صارت ترفعها هي التي ستوصلها إلى «الجنة الموعودة» ضاعت وضاع حاضرها ومستقبلها ولعلها تصير بعد قليل شيئاً من الماضي.
إن نظرة واقعية للحالة الكارثية التي صارت تعيشها تلك الشعوب والتي صارت مثالاً وعبرة لمن يعتبر تكفي ليراجع كل عاقل نفسه ويتوقف عن السير في الطريق الذي لا يوصله إلا إلى الحالة نفسها، فلا نتيجة غير هذه النتيجة وإن تغيرت الشعارات وكبرت مساحة الحلم وكبر الأمل بالحصول على «المدد» اللازم لأي تغيير، حيث المدد لا يأتي من البلدان التي أساساً هي في حاجة إليه، ذلك أن تلك البلدان وإن أعطت من طرف لسانها «حلاوة» إلا أنها لا تستطيع فعل شيء، فكل ما قد تفعله يمكن أن يهز عرشها.
لا مشتبهات بين الخير والشر، فمن أراد الخير لوطنه تواصل مع أهله وسعى إلى حل مشكلاته في إطار الأسرة الواحدة، وهو أمر لايزال رغم كل شيء متاحاً، ومن أراد لوطنه الشر فليس له إلا مواصلة السير في ذلك الطريق الذي نهايته لا تختلف عن نهاية البلدان التي يرى العالم كله كيف تعيش شعوبها اليوم وما تعاني منه.
الهرولة خلف الأوهام نتيجته معروفة وصار متوفراً النماذج والأمثلة التي تبين ذلك، والنظر إلى الأمور بواقعية والتراجع عن الهرولة خلف تلك الأوهام نتيجته معروفة أيضاً، والعاقل هو من يعتبر بما حصل لشعوب لم تتمكن من قراءة ما يدور حولها جيداً.