وفي افتتاح المؤتمر تحدث رئيس مؤسسة كونفوشيوس البروفسورTeng Wensheng وباقي المتحدثين من الصين حول أفكار الرئيس شي جينبينغ التي طرحها في المؤتمر الخامس عام 2014 وفي مقدمتها الأفكار الأربع التالية:
الأولى: ضرورة التعامل مع مختلف الحضارات والتعلم منها.
الثانية: إن لكل دولة ولكل شعب خصائصه التي يمتاز بها ولا نبغي إلغاءها أو تجاهلها من أية حضارة من الحضارات الأقرب بل من الضروري احترامها والمحافظة عليها.
الثالثة: إن جميع الثقافات والحضارات لها حق البقاء باعتبارها مكوناً رئيساً من تطور الحضارات البشرية وتمثل القواسم المشتركة لها وركائز مسيرتها
الرابعة: أهمية التعليم المتبادل بين الشعوب وأصحاب الحضارات واحترام الخصائص الوطنية لكل منها. وقد شارك في المؤتمر أكثر من مائتي عالم وخبير في شؤون الحضارات والثقافات من الصين ومن أكثر من 30 دولة من دول العالم من أوروبا وآسيا وأفريقيا والشرق الأوسط التي كان من بينها مصر والأردن ولبنان والعراق وإسرائيل وتركيا وإيران وبريطانيا وفرنسا وإسبانيا والبرتغال والولايات المتحدة واليابان وكوريا الجنوبية وماليزيا وسنغافورة وإندونيسيا والهند وباكستان وأستراليا ومنغوليا. وكان من الملفت للنظر حضور عدة شخصيات من عدة دول عربية في حين لم يشارك أي شخص من أفريقيا جنوب الصحراء ومن غير المعروف هل لم تتم دعوة أي شخص من تلك المنطقة أم دعي البعض ولم يحضر لظروف خاصة به.
وبعث رئيس وزراء اليابان الأسبق ياسو فوكودا برسالة تهنئة للمؤتمر قرأها أحد المشاركين ومعظم الخبراء شاركوا بصفتهم الشخصية وليسوا كممثلين للدول أو الحكومات. ومن مصر كان هناك أربعة مشاركين هم الدكتور سمير أمين الاقتصادي الماركسي المعروف عالمياً والدكتور محمد نعمان جلال السفير المصري الأسبق في الصين والأديبة الكاتبة سلوى بكر والفنانة التشكيلية كوثر الشريف.أما المشاركون الصينيون فكانوا ينتمون للجامعات ومراكز الأبحاث المتنوعة ومن المفكرين والأدباء.
دارت مداولات المؤتمر في جلستين عاميتين كانوا بين المتحدثين فها هما الدكتور سمير أمين والدكتور محمد نعمان جلال وخبراء من الصين وروسيا واليابان والهند. ثم تحولت أعمال المؤتمر في اليوم الثاني إلى مجموعات عمل شملت مداخلات ومناقشات من مختلف المشاركين. وفي اليوم الثالث والأخير عقدت جلسة عامة تحدث فيها عدد من المشاركين كما عرضت أعمال اللجان المتخصصة من مقرر كل لجنة أمام الاجتماع العام. واعتمد المؤتمر بدون نقاش بالتصفيق بياناً عاماً أعده المنظمون.
ملاحظات عامة
الأولى: يمكن القول إن المؤتمر كان منظماً تنظيماً دقيقاً وحرص على القواعد البروتوكولية الصينية بأن يكون معظم المتحدثين في الجلسات العامة وأحياناً في اجتماعات اللجان من الصينيين بواحد أجنبي ربما مقابل 3 صينيين. وهذا تقليد يعكس ضخامة عدد المشاركين من الصين مقارنة بالمشاركين الأجانب وفي نفس الوقت ضخامة عدد سكان الصين وجامعاتها ومفكريها وعلمائها. كما يكون عادة رئيس الاجتماع في الجلسات العامة أو في اللجان من الصينيين وأحياناً تتم مشاركة ثنائية بين خبير صيني وآخر أجنبي في اللجان. الثانية: مداخلات المتحدثين الصينيين عبرت عن التناغم المخطط له أو التلقائي فيكرر كل منهم الإشارة والإشادة بما ورد في أحد كلمات الرئيس الصيني ويشرحها أو يشيد بها ونحو ذلك وعادة لا ينتقدها أحد سواء من الصينيين أو الخبراء الأجانب. الثالثة: المؤتمر ابتعد عن الحديث في القضايا السياسية الخلافية وحتي المشارك الإسرائيلي فقد سار على نفس النهج وأن اشار لمأساة اليهود عبر السنين. ولم يعلق أحد وركز المشاركون العرب علي القضايا العامة مثل الإرهاب والعنصرية والتمييز والتعصب والتنمية والمناخ والبيئة والتعاون ونحو ذلك. و هي القضايا العامة التي تحدث عنها المشاركون من مختلف الدول والصين. الرابعة: أشاد العديد من المفكرين والباحثين لفكر كونفوشيوس وتجاهل الجميع أية أفكار عبر عنها فلاسفة أو مفكرون صينيون آخرون تتوافق أو تختلف مع فكر كونفوشيوس. وربما كان ذلك لأن المؤتمر يعقد في إطار فكر كونفوشيوس ومؤسسة كونفوشيوس ولذا تم التركيز على فكره وممارساته.
الخامسة: يعد المؤتمر من المؤتمرات القلائل التي لوحظ فيها عدم مشاركة أي من القيادات السياسية للحزب أو للدولة أو للحكومة. وربما كان هدف المنظمين من ذلك إظهار حيادية واستقلالية مؤسسة كونفوشيوس. وفي سؤال عن معاهد كونفوشيوس التي تنتشر في العديد من دول العالم لتعليم اللغة والثقافة الصينية فكانت إجابة المختصين أن المؤسسة ليس لها علاقة بالمعاهد الكونفوشية.
السادسة: إن الذي تبنى رعاية المؤتمر وتنظيمه هي الجهات الأكاديمية والتي شملت مؤسسة كونفوشيوس العالمية والإدارات الأكاديمية في أكاديمية الصين للدراسات الاجتماعية. أما المنظمون المشاركون فكانوا معهد الشعب الصيني للشؤون الخارجية وهو أشبه بالمعاهد الدبلوماسية المرتبطة بوزارات الخارجية وجامعة بكين للدراسات الأجنبية وهي تدرس برامج للمتخصصين في اللغات الأجنبية مثل العربية والإنجليزية والإسبانية والفرنسية وغيرها. وهو من المؤسسات الصينية العريقة التي تم إنشاؤها منذ الخمسينات في القرن العشرين بعد وصول الشيوعيين للسلطة في بكين عام 1949. واستهدف تخريج متخصصين لغويين في شتي لغات العالم. وهم الكادر الرئيس الذين تستعين بهم الصين لفهم لغات وحضارات العالم الخارجي مما يسهل عليهم التوصل لأسلوب يتماشى مع كل حضارة أو ثقافة أجنبية ومعرفة كيفية التحاور معها.
السابعة تقدم المنتديات الفكرية والأكاديمية الصينية وأيضاً المؤتمر التي تقيمها الجامعات المتعددة نموذجاً عملياً في كيفية بناء الصين الحديثة وتبادل الآراء حول القضايا التي تهم الصين والعالم وتهيئة الشعب والعالم الخارجي للمبادرات التي تطلقها القيادة الصينية من حين لأخر فتتعرف علي ردود الأفعال الوطنية والعالمية.
الثامنة مع وجود المحور العام كانت هناك مناقشات حول محاور فرعية واخص بالذكر منها محور الحضارات الشرقية بمعني شرق آسيا ومحور الحضارات الأوراسيوية ومحور الحضارات الهندية خاصة البوذية والكونفوشية ومحور الحضارة اليابانية وخاصة الشتوية ومحور ما سمي بالقيم الآسيوية وهل هذا حقيقة أم مبالغة من بعض المفكرين والسياسيين الآسيويين وحدث نوع من التوافق حول كون هذه القيم آسيوية من حيث الاهتمام والتطبيق وإن كانت عالمية وهدفها الرد على الأطروحات الأوروبية والغربية بوجه خاص بأن الحضارات والقيم والسياسات والنماذج الفكرية والحضارية الأوروبية أصبحت نماذج عالمية يجب أن يحتذي بها الجميع وأيضاً رفض نظرة الغرب بأنه مصدر القيم والفلسفات والأخلاق لأن آسيا وحضاراتها أسبق من الحضارات الغربية. كما أبرز بعض الأساتذة الهنود بأن الحضارة الهندية أعرق من الحضارة الصينية وأن الأخيرة تأثرت كثيراً بالحضارة الهندية واستدلوا على ذلك بما جاء في الروايات الصينية الكلاسيكية الأربع التي ظهرت في العصور الأخيرة وإن كانت مبنية على تراث تقليدي ومن تلك الروايات رواية الرحلة للغرب أي نحو الهند بحثًا عن الآلهة والحضارة والقيم. وهي إحدي الروايات الأربع الكلاسيكية المشهورة والتي تعد من أهم التراث السياسي والفلسفي الصيني وإن تم صياغتها في عصور متأخرة إلا أن فلسفتها عرفت منذ القدم.