هاتفني رجل أعمال معروف مثنياً على مقال نشرته في هذه المساحة قبل أيام تحت عنوان «السلوك المفقود» تناولت فيه جانباً من مشكلة النظافة وبينت أن وجود شركة تقوم بجمع أكياس القمامة لا يعني أن النظافة تحققت، فما تقوم به الشركة هو جزء من الموضوع وليس الموضوع كله، حيث إن النظافة تتحقق بإصرارنا على التمسك بسلوكنا الإيجابي وأن نصفها يتحقق بعدم رمينا للمخلفات في غير الأماكن المخصصة لها، فقال ما معناه إن حب الوطن لا علاقة له بالنظام ولا بالمعارضة ولا علاقة له بالسياسة وبالمواقف السياسية، وإنه يكفينا في هذه المرحلة أن يعبر كل مواطن عن حبه للبحرين بالتزامه بالسلوكيات التي تؤكد ذلك، حيث المحافظة على النظافة صورة من صور حب الوطن، والالتزام بقواعد المرور صورة أخرى، والإصرار على الالتزام بالأخلاق البحرينية التي عرفت بها البحرين وشعبها صورة ثالثة من صور حب الوطن.
أمثلة عديدة ذكرها رجل الأعمال في هذا الخصوص ورأى أن الاستمرار في تأكيد الثوابت والحث على التمسك بها وتنبيه المواطنين إلى ضرورة الالتزام بالسلوكيات الإيجابية في حياتهم اليومية من شأنه أن يرتقي بالوطن، ففي كل هذا ما يعبر عن حب المواطن لهذا الوطن، وفيه ما يؤكد الانتماء إلى هذا الشعب الأصيل، وفيه ما يعزز من القيم والأخلاق التي هي سمة البحرين وشعب البحرين.
التزام المواطن بالقانون تعبير عن حبه للوطن وتأكيد لهويته، وإصراره على المحافظة على كل السلوكيات الإيجابية تعبير عن تفوقه الحضاري وتأكيد على استمراره في النهج الذي عرفه به العالم. لا علاقة بين هذه السلوكيات الحضارية وبين الاختلاف أو الخلاف مع السلطة. من حق الفرد أن يختلف مع الحكومة لكن ليس من حقه التخلي عن ممارسة سلوكيات تعبر عنه وعن حبه للوطن وعن إرثه الحضاري، فليس معقولاً مثلاً أن يهمل ملابسه ولا يهتم بشكله لأنه مختلف مع الحكومة أو زعلان على مديره في العمل، فلا علاقة بين الأمرين.
على مدى الزمن عرف شعب البحرين بحبه للنظافة وباحترامه لمختلف القواعد وبالتزامه وحرصه على أن يكون إيجابياً، لذا فإنه لا يمكن أن يقبل من بعضه القيام بعمليات تخريب الحدائق العامة مثلاً كرد فعل على قرار حكومي لم يعجبه، ولا يمكن أن يقبل منه ممارسة أفعال مخلة بالأمن أو بالأخلاق لأنه غير مرتاح أو غير موافق على قرارات أصدرتها الحكومة في موضوع ما أو بسبب أحكام صدرت عن القضاء ضد أشخاص تربطه بهم صلة قرابة، فلا علاقة بين الأمرين والربط بينهما يسيء إليه وإلى الوطن وليس بالضرورة يضر الحكومة.
لكن الحث على الالتزام بكل هذه الأمور ليس مسؤولية جهة دون أخرى وإنما هو مسؤولية الجميع من دون استثناء، ولأن الكثير من السلوكيات السلبية هي في الغالب نتيجة لربط خاطئ بين أمرين وبدوافع سياسية لذا فإن المسؤولية الأكبر تقع على عاتق الجمعيات السياسية التي عليها أن تصر على بيان أن الخلط في مثل هذه الأمور يسيء إلى الوطن وإليها وإلى «الحراك الشعبي»، كما تقع على عاتق رجال الدين الذين عليهم أيضاً أن يكونوا قدوة ومثالاً، وعلى المربين والمعلمين وأولياء الأمور والإعلاميين، وعلى كل من يستطيع أن يدل على هذا الطريق.
أغلب شعوب العالم لديها مشكلات مع حكوماتها لكن تلك الشعوب لا تخلط أبداً بين موقفها من السلطة في بلدانها وبين الثوابت والالتزامات لأنها تعلم أن كل سلوك سالب تمارسه وكل سلوك إيجابي تتخلى عنه فيه إساءة للوطن الذي تنتمي إليه، فالوطن ليس الحكومة وحدها وليس السلطة وحدها، ومسؤولية الإعلاء من شأنه مسؤولية الجميع.