تدور حالياً مباحثات مكثفة بين مصر وصندوق النقد الدولي بخصوص توفير الصندوق قرضاً بمبلغ 12 مليار دولار لمصر على مدى ثلاث سنوات، وحسبما هو مفهوم فإن قروض صندوق النقد الدولي تكون مشروطة بإجراء إصلاحات مالية واقتصادية لا تكون فى كثير من الأحيان سهلة التطبيق أو القبول سياسياً واجتماعياً. وبالنسبة للمشاكل الاقتصادية التي يعاني منها الاقتصاد المصري فهي ليست وليدة اليوم أو الأمس ولكنها نتيجة تراكمات بسبب السياسات الاقتصادية التي طبقتها مصر خلال الخمسين سنة الماضية. ولقد مرت مصر خلال الفترة الماضية بمراحل وتحولات أدت إلى تشويه الاقتصاد المصري وأضعفت من أدائه وقدراته في مواجهة التحديات المتزايدة. وبدون التطرق إلى المراحل التاريخية التي مر بها الاقتصاد المصري والتي سبق وأن تطرقنا لها على هامش مؤتمر شرم الشيخ الاقتصادي العام الماضي، فإننا نود في هذه المناسبة محاولة تشخيص الوضع الحالي حتى يمكن تسليط الضوء علي نوع الإجراءات الواجب اتخاذها والتي لا بد وأن تكون الآن محط اهتمام المباحثات التي تدور حالياً بين السلطات المصرية وصندوق النقد الدولي. هذا ويمكن تلخيص المشاكل الاقتصادية التي يعاني منها الاقتصاد المصري حالياً في التالي: أولاً: الاختلالات المالية والمتمثلة في العجز الكبير في الموازنة والذي يقدر بنحو 12% من الناتج المحلي الإجمالي، وكذلك عجز الحساب الجاري والذي يصل إلى 7% من الناتج المحلي.
ثانياً: المشكلة الأخرى والتي لا تقل أهمية هي نقص حصيلة مصر من العملات الأجنبية ومن الدولار على وجه الخصوص. إن انخفاض دخل السياحة ودخل قناة السويس كان لهما دور كبير في نقص العملات الأجنبية لكن هذه القطاعات هي عادة ما تكون موسمية، حيث إن العامل الأكبر في نقص العملات الأجنبية يرجع إلى أسباب هيكلية في الاقتصاد المصري والتي تعود أساساً إلى ضعف قطاع التصدير واعتماد تجارة مصر على الاستيراد لسد كافة احتياجاتها تقريباً.
ثالثاً: مشكلة التضخم وارتفاع الأسعار والذي يصل حالياً إلى حوالي 14% وترجع هذه المشكلة في الأساس إلى الاعتماد على الاستيراد في الوقت الذي تتراجع فيه قيمة العملة المحلية الجنيه، هذا إضافة إلى أن زيادة أسعار الفائدة للدفاع عن العملة المحلية من شأنه كذلك أن يفاقم من مستوى التضخم الذي هو مرتفع أصلاً.
رابعاً: مشكلة حجم الدعم والإعانات. وهذه المشكلة لا ترجع إلى استمرار الحاجة لدعم وإعانة الطبقات الفقيرة بقدر ما ترجع إلى الحاجة إلى ترشيد وتقنين هذا البند وحصره في مستحقيه.
خامساً: تضخم القطاع العام وتوسع مؤسساته وارتفاع أعداد موظفيه. وهذه المشكلة قد ترسخت منذ عهد التأميمات وتقليص دور القطاع الخاص، كما أن هذه المشكلة أدت إلى تفشي البيروقراطية وعرقلة مبادرات رجال الأعمال ولم تكن مشجعة للاستثمارات الأجنبية.
هذه في الواقع وبشكل مختصر أهم مشاكل مصر الاقتصادية، ولا أعتقد بأن صندوق النقد الدولي سوف يأتي بجديد في هذا الشأن، إلا أن المحك والتحدي أمام الصندوق وكذلك السلطات المصرية هو في كيفية التعامل مع هذه المشاكل دون إثارة أو خلق آثار عكسية وردود أفعال اجتماعية وسياسية غير مرغوبة.
فعندما نحاول معالجة عجز الميزانية فهل حقاً الحل هو في التقشف وتقليص الإنفاق؟
في الوقت الذي يحتاج فيه الاقتصاد المصري إلى تحفيز النمو الذي يعتبر حالياً ضعيفاً جداً إذا أخذنا بالاعتبار الحاجة الملحة إلى توفير مزيد من فرص العمل للتخفيف من حجم البطالة المتفشية. أم أن حل عجز الموازنة هو عن طريق زيادة الضرائب مثل ضريبة القيمة المضافة وغيرها بالرغم من انعكاس ذلك في مزيد من الارتفاع في تكاليف المعيشة خاصة وأن شريحة واسعة من الشعب المصري تعيش تحت خط الفقر؟ أما فيما يخص مشكلة نقص العملات الأجنبية فهل الحل يكمن في تعويم الجنيه بالرغم من اعتماد الاقتصاد المصري على الاستيراد وليس هناك قطاع تصدير هام من شأنه الاستفادة من خفض العملة المحلية، هذا إضافة إلى كيفية معالجة تبعات ذلك على التضخم وارتفاع الأسعار؟ أما فيما يتعلق بالخصخصة وتقليص حجم القطاع العام فإن هذا الأمر وإن كان نظرياً صحيحاً إلا أن تطبيقه محفوف بالمخاطر. هذا لا يعني عدم معالجة هذا الأمر. لكن أولاً لا ينبغي توقع حلول سريعة وسحرية لهذه المعضلة. ثانياً هناك مصالح كثيرة أصبحت مرتبطة بهذا الوضع، وإن تغير هذه المعادلة من شأنه أن يخلق ردود أفعال قد لا تساعد على نجاح مثل هذه الإجراءات.
محصلة الكلام، إن الإصلاح وإن كان مطلوباً فإن ذلك لا يعني بالضرورة نجاح مثل هذا الإجراء. إن مثل هذه العملية تحتاج إلى الأخذ في الاعتبار عدة توازنات كما أنها تحتاج إلى كثير من الحذر، حيث إن الاعتقاد بأن هناك حلولاً صالحة لكل زمان ومكان هو اعتقاد قد لا يحالفه الصواب.
الرئيس السابق لصندوق النقد العربي