لم يعد الموضوع يتعلق بسؤال لماذا يكرهوننا، بل لماذا يكرهون أنفسهم الى هذا الحد؟ منذ ظهور «داعش» على ساحة الاعتداءات الإرهابية غير الهادفة، أو بالأحرى الهادفة الى ضرب الإسلام والمسلمين وتأليب العنصرية في الغرب ضدهم، تقود التحقيقات في كل اعتداء الى عنصرين أو ثلاثة هي مزيج من تطرف مستجد، يضاف إليه ماضي تعاطي مخدرات أو تاريخ اضطرابات عقلية لدى المنفذين.
وبمعنى آخر، فإن تجنيد الإرهابيين يتم من طريق استغلال مزيد من نقاط الضعف والبحث عن شخصيات غير سوية تعاني مشاكل اندماج في محيطها. وفي غالب الأحيان، يعطى هؤلاء حبوب هلوسة تدفعهم الى التجرؤ على الممنوعات وتوهمهم بقدرات خارقة.
غداة وقوع اعتداء نيس في 14 تموز (يوليو) الماضي، خرج المصطافون وسكان المدينة من أصول عربية الى الشوارع في شكل طبيعي، حتى أن أحدهم لم يمتلك إلا أن يلاحظ أنه «لو كان الأمر معاكساً ووقع في أحد بلداننا وعُرف أن منفذه غربي، لكنا توقعنا موجة كراهية للأجانب».
من هنا أهمية الانفتاح والتعددية الحضارية، ذلك أنه في وقت «الامتحانات الصعبة»، تُظهر المجتمعات معدنها الحقيقي، فيعود الى الأذهان بالتزامن مع استنفار مدينة مثل لندن ضد الإرهاب، أن عمدتها مسلم وتراه يخرج مخاطباً الناس ليحضهم على التضامن في ما بينهم ونبذ الخوف والتعاون مع الأجهزة الأمنية.
ومع إعطاء وسائل الإعلام والمحللين كل الحق في طرح فرضية الإرهاب كلما وقع اعتداء كجريمة لندن الأسبوع الماضي، فإنه من المشروع أيضاً التساؤل عن الخط الفاصل بين الجرائم العادية والعنيفة وبين الأعمال الإرهابية، وما هي شروط التصنيف، وهل يكفي تبني تنظيم متطرف لجريمة حتى تتحول إرهاباً؟
مع تردي الوضع العقلي لمنفذ اعتداء لندن، باتت الشرطة محتارة في تصنيفه على أساس أنه عمل ناتج من تطرف، ذلك أنه حتى الإرهاب يحتاج حداً أدنى من قدرة عقلية بدت مفقودة عند هذا الشاب النروجي - الصومالي الأصل، من دون أن يبدد ذلك التساؤل عن أي مصادفة قادته الى طعن سيدة أميركية وجعلت سائحة إسرائيلية من بين جرحاه؟
وتبعاً لقناعة سائدة لدى معظم المحللين بأن تنظيمات مثل «داعش» ترتكز الى تفعيل نظرية صدام الحضارات وتعميقها وترسيخها، فإنه لم يكن مستغرباً أن ترصد وسائل الإعلام الغربية على بعض مواقع تواصل باللغة العربية محسوبة على متطرفين، إشادات باعتداء لندن. وبالتأكيد، فإن توصل التحقيقات البريطانية الى خلاصة أن لا دليل على ارتباط هذا العمل بالإرهاب، أحبط أصحاب الإشادات كما أحبطهم عدم تبني «داعش» الاعتداء على الفور.
وحرص التنظيم الإرهابي من خلال بيانات أشاد فيها بمنفذي هجمات في فرنسا وألمانيا وقبلها بلجيكا، وتصنيفهم بأنهم من «جنود الخلافة»، على الإيحاء بأن نفوذه ودعايته في صدد الانتشار بين شباب المسلمين في الغرب، وهذا أمر غير صحيح على الإطلاق، فالشواهد إذا دلت على شيء فإنما تدل على استغلال قبيح من جانب هذا التنظيم وغيره، لجرائم يقدم عليها أفراد يعانون من المزيج القاتل إياه وهو التطرف المستجد مع جهل تام بالدين، يضاف إليه ماضٍ من الاضطرابات النفسية والعقلية، ما يعني أن المجتمعات التي يتحرك فيها هؤلاء الشباب معنية بالدرجة الأولى باللجوء الى طلب المساعدة الطبية والاجتماعية للأفراد الذين تظهر عليهم علامات من هذا النوع، لئلا يودي بهم الأمر الى من يمد لهم حبوب هلوسة ويحولهم قنابل موقوتة.
*نقلاً عن الحياة