قبل فترة كتبت هنا مقالاً عن معاناة أوصلها لي بعض الصيادين المحترفين، أي الذين يقوم رزقهم على البحر فقط، وطلبوا مني بعد شرح معاناتهم بالتفصيل أن يصل نداؤهم لصاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس الوزراء حفظه الله.
والحمد لله النداء وصل لسموه، إذ شاهدنا يوم أمس قيامه في زيارة ميدانية وفي هذه الأجواء الحارة لتفقد أحوال الصيادين ولمتابعة شؤون إنشاء مرافق مطلة على البحر للمواطنين.
أولاً نقول بأن رئيس الوزراء بنفسه ينزل إلى الميدان وفي هذا الجو الذي يعجز أقوى الرجال بحرارته المرتفعة ولهيبه، وفي مشهد من النادر جداً أن نرى فيه وزراء ومسؤولين يفعلون ما يفعله رئيس الحكومة حفظه الله، بالتالي الشكر واجب لخليفة بن سلمان على دروسه الإدارية المستمرة.
في جانب آخر، نتمنى أن تكون هذه الزيارة التفقدية والتوجيهات الصادرة بداية لتسهيل أمور صيادي البحر المحترفين، وإنقاذ مهنتهم من التدهور، والأهم الحفاظ على حقوقهم وعلى أملاكهم البسيطة من معدات وأدوات من الضياع.
مشكلة الكبائن يتوجب أن يكون لها حل دائم، بحيث يكون قرار إزالتها بتواكب مع تهيئة أجواء ومرافق أفضل للصيادين، مع منحهم الوقت الكافي «لتضبيط» أمورهم، وهنا على المسؤولين أن يدركوا وضعية الصيادين، فهم ليسوا بشراً مترفين وميسوري الحال بحيث يمتلكون عصا سحرية تجعلهم يجدون الحلول بشكل فوري، بالتالي لا يكون «الرفق» في شيء إلا زانه، ولا ينزع عن شيء إلا شانه.
ورغم ذلك، ومع التقدير للجهود المبذولة في سبيل إنشاء «فرض» للصيادين في مختلف الأرجاء، إلا أن العملية يفترض أن تتم بالتنسيق التام مع الصيادين، وأخذ ملاحظاتهم في عين الاعتبار، وذلك حتى تكون الحلول بالفعل ناجعة لا قاصرة، وحتى تكون المرافق المراد إيجادها كاملة وتفي بالغرض.
قبل أيام أرسل لي أحد الصيادين مقاطع فيديو تبين عملية إزالة الكبائن بصورة غير احترافية، بحيث تركت الأنقاض على «سيف البحر»، وتراكمت و«تكومت» حتى ليخيل لك وكأنك تقف على مكب نفايات لا على ساحل بحري. من المسؤول هنا؟! ولماذا تتم الأمور على هذا الوجه القاصر؟!
والله مازلت أذكر الجملة الأثيرة التي حفظناها منذ الصف الأول في المدرسة، وتحديداً في دروس التاريخ والجغرافيا، والتي تقول بأن البحرين أرخبيل مكون من 33 جزيرة «آنذاك»، بالتالي الاستغراب يكون أن بلداً هذه تضاريسه وطبيعته تواجه فيه حرفة الصيد هذه المشكلات التي تجعل الصيادين يئنون ويتعبون وفي النهاية يناشدون.
غير منطقي وغير معقول ما يحصل، الصيد من المهن القديمة التي اشتهرت بها البحرين، وأغلب المواطنين في العقود الغابرة كانوا يمتهنون الصيد والخروج إلى المغاصات لصيد اللؤلؤ، ورغم انحسار الامتهان في هذه المهنة، إلا أن البعض مازال يمتهن الصيد ومنه يعيش ويصرف على عائلته.
لسنا نتحدث هنا عن الصيد للمتعة والترفيه وعلى متن يخوت فارهة، نحن نتحدث عن صيد بغرض الاسترزاق، أي أن ناتج الصيد يبيعه الصياد ومنه يعيش ويصرف على عائلته.
بالتالي أتخيل الوضع المثالي في بلد يحوطه البحر من كل جانب مثل البحرين، بأن هناك مرافئ عديدة للصيادين، وعلى مختلف السواحل ومن كل الجوانب، ومع الأخذ في الاعتبار الضبط الأمني والمتابعة من قبل جهاز خفر السواحل لمنع محاولات استغلال المنافذ البحرية والسواحل لأغراض التهريب وغيرها.
أعتقد أننا اليوم أمام تحدٍّ لتطبيق فكرة إحياء السواحل البحرية في البحرين، بحيث تكون في مقام أول بيئة نموذجية ومثالية للصيادين، يتم توفير كافة الاحتياجات لهم والمرافق المناسبة التي ترضيهم.
في جانب آخر لا بد وأن يتاح للناس الاستمتاع بالبحر الذي يحيط ببلادهم، سواء عبر الاستفادة منه في فعاليات مائية أو حتى الصيد، وفي الجانب الأخير أي «الصيد» المراد به تمضية الوقت والتسلية، فحالي شخصياً كحال كثير من البحرينيين، نحب الصيد و«الحداق» لكنك ستواجه مشكلة حقيقية إن لم ترد دخول البحر بمركب أو «طراد»، إذ لا ساحل متاحاً للصيد الحر اليوم في البحرين.
ولا أعني السواحل المفتوحة التي بعضها تحده مشاريع تفرض منع الناس من التواجد قربها، أو المشاريع الخاصة، بل أعني ساحلاً يعلن عنه رسمياً بأنه ساحل مفتوح للناس يمكنهم فيه ممارسة الصيد كهواية، أو ساحل تنشأ فيه منصات للوقوف بغرض الصيد.
طبعاً ما أتحدث عنه أعلاه هو إضافات لأجل الاستفادة من السواحل في المتعة والترفيه، لكن بالعودة للموضوع الأهم، نتحدث هنا عن الصيادين ومهنة الصيد والمعوقات أمامها، وكيف أنه يتوجب علينا اليوم إيجاد حلول لدعم الصيادين المواطنين وتسهيل الأمور عليهم، وفي النهاية نجدد الشكر لسمو رئيس الوزراء على متابعته واهتمامه.