كما في أغسطس من كل عام يثير البعض قصة الاستقلال التي لا تفسير لها سوى التعبير عن الإفلاس، ذلك أن إعادة إثارة موضوع محسوم أمره ومعلوم أنه لن يؤثر ولن يؤدي إلى أي تغيير لا يمكن أن يسلم من هكذا تفسير. تفسيره الآخر هو أن ذلك البعض يستخدمه «علثة» ليشيع الفوضى وبغية القول إنه مستمر.
نعم، البحرين نالت استقلالها في 14 أغسطس ولكنها تحتفل بهذه المناسبة منذ خمس وأربعين سنة في 16 ديسمبر، أين المشكلة ؟ وما قيمة أن يتم الاحتفال في أغسطس؟
نظرة على الفعاليات التي قرر ذلك البعض «فقير الرؤية» تنفيذها يتضح معها أنه كذلك بالفعل، فما أعلن عنه في هذا الخصوص لا يعبر إلا عن فقر في الرؤية. ترى ما قيمة قيام نفر قليل بإطفاء الأنوار الخارجية لبيوتهم ومحلاتهم التجارية في ساعة محددة؟ وما قيمة المظاهرات محدودة العدد التي يدعون لتخرج في بعض القرى؟ ومن قال إن ذلك النفر يستطيع أن «يشل الحركة المرورية في شوارع البحرين»؟ ومن قال إنه يستطيع أن «يتمرد على القوانين»؟
فقر الرؤية جعل تلك الحركات التي تعتبر نفسها «معارضة» تتخذ لنفسها اسم «القوى الثورية المعارضة» في محاولة فقيرة أيضاً لسحب البساط من تحت «المعارضة» المتمثلة في الجمعيات السياسية التي لم تعد توافقها على ممارساتها تلك والتي لا تؤدي إلا إلى إصرار الحكومة على موقفها والتأكيد على أن من يقوم بتلك الأفعال دون القدرة على الارتقاء إلى مستوى فهم ما يجري في الداخل وما يدور في المنطقة وبالتالي لا يمكن التواصل معه في أي أمر.
دليل آخر على فقر رؤية ذلك البعض الذي يعمل تحت مسميات مختلفة «ائتلاف فبراير، الوفاء، أحرار البحرين، حق، العمل الإسلامي، خلاص» هو سعيه إلى ربط ما يجري عنوة بما أسماه «إنهاء الوجود الشيعي» الذي لا يوجد إلا في خياله، فلا شيء من هذا القبيل في البحرين التي هي على الدوام تحلق بجناحيها الرئيسين.
ما تتم الدعوة إليه في هذه المناسبة لن يتحقق، وما يكون قد تم في السنوات القليلة الماضية لن يتم هذه المرة لأن الحكومة قررت مواجهة كل عمل غير مسؤول يصدر عن أي كان وفقاً للقانون، وهو ما تأكد في الفترة الأخيرة التي تبين فيها أن الحكومة وجدت أن السيل بلغ الزبى وأنه حان الوقت لوضع حد لكل هذا الذي يجري ويعرض الوطن للمخاطر.
من المهم في هذا السياق أن يعلم ذلك البعض جيداً أن تلاعبه بالألفاظ وحرصه على اختيار الكلمات «الثورية» من قبيل «ملحمة الغضب» و«رفض الذل والهوان» وما إلى ذلك، وكذلك الشحن المعتمد على فكرة أن السكوت يعني إنهاء الوجود الشيعي، كله لم يعد يؤثر في الفئة المستهدفة التي بدأت تتضح لها الأمور وصارت قادرة على التمييز واتخاذ القرار الصحيح. لذا فإن الدعوات الرامية إلى إحداث الفوضى يوم الرابع عشر من هذا الشهر لن تجد الأذن الصاغية وستفشل، فالأمور اختلفت، بل اختلفت كثيراً، ليس فقط لأن الحكومة اتخذت منحى الحزم ولكن لأن المواطنين ملوا من هذا الذي يحدث وصاروا يعرفون أن المستفيد الوحيد منه هي إيران التي ما فتئت تدعم ذلك البعض وتوفر له كل ما يعين على استمراره في غيه وعدم تمكنه من إزالة الغشاوة عن عينيه.
ستحتفل البحرين بإذن الله بمناسبة العيد الوطني المجيد في السادس عشر من ديسمبر المقبل، ولعلها تحتفل أيضاً بعودة الوعي لمن لم يعد إليه بعد من المواطنين الذين لن يتأخروا عن فهم ما يحاك ضدهم.