أهم ما في عنوان هذه المقالة هو كلمة (الآن)، إذ هي مناط المقالة ومربطها.
وقد أشرت في مقال سابق أن «لا مجال للتشكيك في أن (العدو) هو أحد العناصر الملازمة لبناء الدولة القوية.
هل رأيتم دولة راسخة ومؤثرة في تاريخ البشرية... كانت بلا أعداء؟!
لكن اختيار العدو له آليات وأخلاقيات بحيث تجعل الدولة في موضع من يزاول عملية دفاعية مبررة وليست عدوانية.
كما أن هذا (العدو) ليس ثابتاً ودائماً، بل هو متغير وفق تغيّر الأحوال المحيطة والمصالح المنوطة بها. لكنّ تغيير العدو يأخذ عادةً زمناً كافياً من أجل تبريره وتمريره.
ظل العالم العربي عقوداً طويلة متوافقاً على (عدو) واحد وموحّد هو العدو الإسرائيلي / الصهيوني. وبقينا نحن الشعوب العربية على هذه الحال، مهما انشغلنا بعداوات صغيرة لوقتٍ قصير، إلا أننا نعود للعدو الكبير المستديم: إسرائيل.
لكن هذه الحال العدائية المستقرة تبدّلت بشكل مربك وغير مسبوق بسببٍ من أعراض ما سمّي الربيع العربي. ففي الخمسة أعوام الماضية فقط ترنّحت مشاعر الشارع العربي بين عدو وآخر بديل لأكثر من مرة».
في ندوة نظمتها إحدى الدول الخليجية في مجلس الشيوخ الفرنسي، تحدّث الباحث الخليجي عن أشد الأخطار التي تهدد منطقة الخليج في الوقت الراهن. مر سريعاً على خطر الإرهاب والتطرف، لكنه مكث طويلاً عند الخطر الإيراني، وذكر تفاصيل قديمة وحديثة عن النزعة التوسعية لدى الجار اللدود، والحروب المعلنة وغير المعلنة لها مع العرب، وتمويلها لمضخات تصدير الثورة والأيديولوجيا الطائفية.
عندما انتهى المتحدث الخليجي من ورقته، سأله رئيس الجلسة (الفرنسي) سؤالاً خبيثاً، قال: فهمت من مداخلتك أن الإرهاب والتطرف ليس هو عدوكم الأول في الخليج، بل إيران هي العدو الأول، هل فهمي صحيح؟!
أجابه الباحث الخليجي، فوراً ومن دون تأمل وتريّث: نعم، إيران هي العدو الأول لنا، والتطرّف والإرهاب يأتي في درجة ثانية من العداء.
كانت هذه الإجابة «المتعجّلة» كفيلة بتغيير مزاج القاعة ونكهة مناقشاتها.
لم ينشغل الحضور في القاعة بموقف الباحث الخليجي من إيران مثلما انشغلوا بموقف الخليجي من التطرّف والعنف والإرهاب، الذي هو عدو العالم الآن.
كان الفرنسي، أو أي غربي، يبحث عن مثل هذه السقطة التي كأنها ستؤكد له التراخي أو التواطؤ بين الخليج والإرهاب.
كنت سآخذ الميكروفون لأقول بكل وضوح: إن التطرّف والعنف والإرهاب هو العدو الأول للبشرية كلها الآن ودائماً، والخليج جزء من هذه المنظومة. وإذا كانت إيران تساعد في تأجيج العنف وفي تغذية التطرّف وفي تحقيق أهداف التنظيمات الإرهابية، بشكل مباشر أو غير مباشر، إذا كانت إيران تفعل ذلك فإنها تصبح جزءاً شريكاً من عدوّي الأول، وليست عدوّاً ثانياً. ينطبق هذا الإدراج على الولايات المتحدة أو روسيا أو أية دولة تنتفع من وراء الإرهاب، تسييساً أو تسليحاً أو أدلجة.
لم أكن لأنفي العداء الذي تشكّله إيران لنا (الآن)، لكني كنت سأصوغ إجابتي من دون أن أقع في فخ جعل الإرهاب عدوّاً ثانياً.
*نقلاً عن «الحياة»