موقف غريب صدر من المكتب الإقليمي للمفوضية السامية لحقوق الإنسان في بيروت بشأن رفضه المشاركة في المنتدى العربي الأول لحقوق الإنسان الذي اختتم أعماله مؤخراً في المنامة، وذلك بسبب تصنيف هذا المكتب للمنتدى بأنه «سياسي بحت» وليس حقوقياً بحسب وصف البيان الصادر من المكتب ومقره في بيروت.
ولا أعرف ما هي المعايير التي استند عليها بيان المكتب الإقليمي للمفوضية لرفضه المشاركة في المنتدى، رغم مشاركة العديد من المنظمات والهيئات المعنية بحقوق الإنسان، خاصة وأن المنتدى حمل عنوان: «التهديدات الإيرانية للأمن الإنساني العربي»، تحت شعار «لا حقوق بلا أمن»، فهل صنف مكتب المفوضية مثل هذا العنوان والشعار المصاحب بـ»السياسي»؟ وهل للمفوضية معايير أخرى للمشاركة في مثل هذه النوعية من المنتديات؟.. نحن نعلم جيداً أن من مهام المفوضية الأساسية: «الدفاع عن القضايا التي تخدم حماية حقوق الإنسان والإعلاء من شأن ثقافة حقوق الإنسان».. فأين هي «السياسة» من عنوان وشعار المنتدى؟ وما هو تفسير مكتب المفوضية لمشاركة كل تلك المنظمات الحقوقية في هذا المنتدى الذي جاء بتنظيم من الفيدرالية العربية لحقوق الإنسان.
إن تصنيف أي فعالية يتم من خلال ما تتضمنه من محتوى، فهل اطلع مكتب المفوضية على محتوى المنتدى حتى يصفه بالسياسي وليس الحقوقي؟ وجواب هذا السؤال عند الأستاذ أحمد ثاني الهاملي رئيس الفيدرالية العربية لحقوق الإنسان الذي أكد في تصريح صحفي له عدم اطلاع المكتب الإقليمي للمفوضية على محتويات المنتدى مؤكداً بقوله: «بل إن المسؤولين في المكتب لم يتواصلوا مع الفيدرالية العربية قبل إصدارهم لبيانهم ووصفهم المنتدى بالسياسي»، أي أن مكتب المفوضية لم يكن على علم واطلاع بمحتوى المنتدى، فكيف له أن يصنف فعالياته؟
وبالعودة إلى محتوى المنتدى ومحاوره، فنرى أنه اشتمل على محاور تتعلق بالتهديدات الإيرانية للأمن الإنساني العربي، ومنها «الأمن الإنساني والأمن القومي كضمانة لتعزيز الحقوق والحريات»، و»التهديدات الإيرانية لأمن الإنسان العربي»، و»الدور الإيراني في تقويض الأمن والسلام الإقليمي والعالمي»، فهل اعتبرت المفوضية هذا المحتوى ذا طابع سياسي؟ وإذا كانت هذه الأمور سياسية، فما هي الحقوقية إذن من وجهة نظر المكتب الإقليمي للمفوضية؟ وثم هل هذا المحتوى هو خروج عن «مهام المفوضية الأساسية» المذكورة أعلاه؟
إن الفيدرالية العربية لحقوق الإنسان -وبحسب تصريح رئيسها- تقدم تقارير عن حالات حقوق الإنسان في الدول العربية إلى الأمم المتحدة، وتشارك في اجتماعات المجلس الدولي لحقوق الإنسان ولجانه وفرق العمل الأممية المختصة بالطفل والمرأة، وكذلك المختصة برصد الانتهاكات في مناطق النزاعات، فهل هذا العمل كله يصنفه مكتب المفوضية كعمل سياسي أو حقوقي؟.
أرى أن على القائمين على المفوضية العليا لحقوق الإنسان أن يجلسوا مع أنفسهم جلسة مصارحة، يتم من خلالها تقييم ومراجعة أسلوب عملهم وتعاملهم مع المنظمات والهيئات الحقوقية، خاصة العربية منها، والتي أخذت على عاتقها الدفاع عن حقوق المواطن العربي، في ظل ما تمر به الأمة العربية من أزمات وحروب راح ضحيتها العديد من مواطني هذه الدول الذين أصبح بعضهم لاجئين في دول أخرى، وبعضهم يعانون وهم في أوطانهم من انتهاكات لحقوقهم وتمييز في معاملتهم لاعتبارات دينية أو عرقية أو طائفية، وهذا كله بسبب التدخلات الإيرانية في دول مثل العراق وسوريا واليمن، وأن هذا المنتدى جاء للتصدي لمثل هذه الأيديولوجية الطائفية التي ذهب ضحيتها آلاف من البشر الذين لا ذنب لهم سوى أنهم لا يتوافقون مع السياسة الإيرانية.
إن المفوضية السامية لحقوق الإنسان هي في نهاية الأمر منظمة مهمة تابعة للأمم المتحدة، وحتى إن حدث سوء فهم أو التباس مع مكتبها الإقليمي في بيروت، فلا بد من وجود مبادرات «حسن النوايا» من القائمين على المنتدى بالتواصل في مقر المفوضية الرئيس في جنيف، وتزويدها بتوصيات ومرئيات ومبادرات المنتدى، وبحث الآلية المناسبة لتنفيذها، فالارتقاء بحقوق الإنسان والدفاع عنها هو الهدف الأسمى الذي من أجله تذوب أي خلافات أو اختلافات في وجهات النظر.