مجموعة سلوكيات سياسية مكثفة غريبة وربما أجنبية عن تاريخنا العربي ترشدنا أن العرب ما زالوا يعلقون جرس هويتهم الدينية وانتماءاتهم السياسية على رقبة جهات أخرى غير عربية على الإطلاق. هذه العقدة العربية-عقدة النقص-يجب أن تنتهي باتخاذ الشعوب العربية والأحزاب السياسية الكبيرة وحتى بعض الدول العربية مواقف صريحة فيما يخص انتماءاتهم وميولاتهم بعيداً عن كل ما هو غير عربي حتى يمكن لهم أن ينالوا كامل استقلالهم في بقية القضايا والمواقف المصيرية.
النكتة السّمجة التي نجدها عند غالبية العرب اليوم هو انقسامهم السياسي «غير العربي» وفق المذاهب والانتماءات الطائفية التي ينتمون إليها، فبعض الشيعة العرب مالوا بقوة إلى الإيراني طبقاً للهوية المذهبية، وبعض السَّنة تعاطفوا بشكل مخيف مع التركي وفقاً للهوية المذهبية كذلك. هذا السلوك الشاذ في تاريخ الشعوب العربية أوصلنا أن البعض أصبحوا إيرانيين أكثر من الإيرانيين أنفسهم، والبعض الآخر أصبحوا أتراكاً أكثر من الأتراك أنفسهم. كل ذلك يحدث في منطقة اللاوعي السياسي، حتى دون أن يلتفت هؤلاء الذين أضاعوا هويتهم العربية لهذا السلوك المنحرف فيما يتعلق بانتمائهم الصريح للعرب والعروبة، وهذا يدل على أن هنالك خللاً ثقافياً ومعرفياً عند غالبية العرب حين أطلقوا لأنفسهم عنان الانتماء الخاطىء على حساب هويتهم الحقيقية.
ما قد يمدد هذه الظاهرة الخطيرة بتنازل العرب عن هويتهم وعروبتهم هو أن معظم التيارات السياسية والدينية الكبيرة في الوطن العربي شجَّعت وأوهمت الشعوب العربية خصوصاً بعد مرحلة ما يُسمى «بالربيع العربي» أن الخلاص الديني والسياسي الشيعي يكمن في الانتماءإلى إيران، والانتماء السني الحقيقي يكون بتشجيع الانتماء للأتراك، وكأن شعوبنا العربية يتيمة الهوية حتى أنها افتقرت إلى انتمائها العربي وفقدت هويتها بشكل مطلق، ولهذا وجدنا الشعوب العربية عبر انتماءاتها المذهبية تخندقت بشدة وبعصبية مطلقة إمَّا باتجاه إيران أو تركيا، باعتبار أن الأولى تمثل الشيعة والأخرى تمثل السُّنة، في حين أن هاتين الهويتين لا تسكنان إلى كل ما هو عربي، بل أنهما تمتلكان تاريخاً من الكراهية لكل العرب، في الوقت الذي نرتمي نحن العرب بكل سذاجة وصفاقة في أحضان هاتين الهويتين!
أولى خطوات التحرر السياسي والفكري والعقدي باتجاه استعادة الهوية الحقيقية –العروبة- هو تحررنا من الانتماءات الدينية والمذهبية، وأن يكون الانتماء لعروبتنا وأوطاننا وإسلامنا بعيداً عن بقية الهويات الأخرى التي ارتبطنا بها بشكل سخيف ومميت. ربما لا يعجب الدينيين من أبناء المذاهب الإسلامية هذا الرأي الصادم بعد أن ارتموا بشكل أعمى في أحضان العجم والأتراك، لكن بكل تأكيد سوف يؤيده كل العرب الذين لا يملكون من الانتماءات السياسية والدينية سوى الانتماء لعروبتهم وإسلامهم وأوطانهم فقط.