«اللي على راسه بطحة يحسس عليها» أليس هذا مثلاً مصرياً يا عمتي؟
قالت: بلى، ونحن في دول الخليج نستخدمه بنفس الصياغة.
أجابتها، لأننا في لبنان وبلاد الشام نستخدم نفس المعنى ولكن بكلمات أخرى. وهو كالآتي «اللي في خاصرته سلة بتعوره».
لمَ كل هذا الكلام والتحليل في مثل قديم من أيام عهد الصالحين؟! وذلك لسبب صغير وبه من الأهمية الكثير.
وهو أن بعض الشخصيات المحيطة بنا يمتلكون أفكاراً ونظريات سلبية تكاد أن تخنقهم أولاً، وتحبس من حولهم بهالة سوداء مظلمة بسبب نسيج نظرياتهم المعتمة.
هؤلاء الأشخاص باتوا أقرب إلينا من أهلنا لكثرة ما نلتقي بهم عبر برنامج التواصل الاجتماعي الهاتفي «الواتساب»، والذي من إحدى سماته، أنه يقرب البعيد ويبعد القريب.
ولكن يبقى أن بعض الناس هداهم الله يمتلكون مبدأ الحساسية المفرطة بطبعهم. فكلما أرسلنا رسالة عامة أو عبرة أو حكمة أو حتى نكتة من بلاد الواق واق، ضمن مجموعة الأصحاب والأهل والخلان، يعتبرها البعض بمثابة «النغزة» لفلان أو علان، وعلى الفور أستلم على حسابي الخاص: «من تقصدين برسالتك هذه؟!» وكأنه يجب أن يكون شخصاً محدداً نوجه له الرسالة بطريقة غير مباشرة. لدرجة أن رسائلنا باتت خالية من الحياة والعفوية والضحكة الرنانة، لأننا نخاف أن تكون للبعض مجرد «نغزة».
ولكن هذه المرة للأسف بقيت الرسالة أسيرة هاتفي بعنوان «الدال» وهي مقالة للدكتور منصور الحارثي. فبالرغم من روعة المقالة والتي تعكس طبيعة فكري بتجرد، إلا أنني لم أتمكن من مشاركتها وذلك كي أتجنب مرحلة التحقيق التي ممكن أن أتعرض إليها.
فالمقالة مفادها بحسب كلام الدكتور العزيز؛ أنه في وطننا العربي يستخدم الشخص لقبه العلمي معه أينما ذهب، سواء كان مهندساً أو طبيبا أو أستاذاً في الجامعة. فقد حرم نفسه من نفسه، وبنى بينه وبين أصدقائه حاجزاً، فتجده يعرف بنفسه بصفة الدكتور فلان في كل مكان، في البنك في العيادة وصالون الحلاقة.. حتى في مغسلة الملابس تجد الفاتورة باسم «الدكتور فلان مستعجل». لدرجة أنه يدخل اللقب بيته ويستخدمه مع زوجته وأبنائه.
فقد وصل كاتب المقالة منصور الحارثي «الدكتور» لهذه القناعة بعد أن غضب منه أحد الدكاترة الكبار وهو صاحب مؤلفات كثيرة في العلوم الإنسانية حينما ناداه بدكتور.. فقال له اسمي ليس بدكتور بل اسمي جو ناثان يا منصور. فمازحه سائلاً: «تشرفنا يا جو». ومن وقتها أصبحا صديقين حميمين. وذلك بعكس موقف صديقه المقرب له الذي انتفض غاضباً عندما ناداه باسمه خالياً من أي ألقاب، فأخذه صديقه جانباً وتمنى عليه أن يناديه بصفة دكتور. طبعاً شتان ما بين الموقفين.
فمقالة الدكتور منصور الحارثي بالنسبة لي بمثابة المطر الذي ينعش صحراء خاوية. فقد اختتم مقالته الموقرة بالآتي:
منصور الحارثي «الدكتور» من الساعة 8 صباحاً إلى 3 مساء.. طيلة أيام الأسبوع ما عدا الجمعة والسبت.. فاللقب مغلق من أجل حياة أجمل.
فبالطبع مثل هكذا مقالة سوف يعتبرها البعض إلا من رحم ربي بمثابة «النغزة» وعلى أمل أن تتحرر عقولنا من أفكارنا البئيسة. وصدق من قال: «اللي على راسه بطحة يحسس عليها».
مع ودي وتقديري للعقول النيرة وبدون «نغزات».. أختكم مي بنت عبدالعزيز.