محمد الجودر
تلعب المؤسسات الصغيرة والمتوسطة دوراً جوهرياً في الاقتصاديات المحلية والعالمية من حيث الإنتاج والتشغيل والابتكار، وتعتبر إشكالية التمويل من بين أهم الصعوبات التي تواجهها هذه المؤسسات، الأمر الذي أدى بنا إلى ضرورة البحث عن أساليب أخرى تتلاءم مع خصائص تلك المؤسسات تختلف عن الأساليب التقليدية للتمويل.
لقد اهتمت العديد من المؤسسات الدولية المعنية بتشجيع ورعاية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة لإيجاد تعريف محدد لها، واختلفت المعايير التي تم على أساسها تعريفها، ومن هذه المعايير حجم العمالة المستخدمة، حجم السوق، حجم المبيعات، رأس المال المستثمر، التكنولوجيا المستخدمة في الإنتاج، كما أن هناك بعض التعريفات التي اعتمدت على أكثر من معيار من المعايير السابقة مجتمعة، إلا أن معياري عدد العمال ورأس المال المستثمر هما أكثر المعايير استخداماً في تعريفها.
وعرفت منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية «UNIDO» المؤسسات الصغيرة والمتوسطة من حيث عدد العمال على أنها المؤسسة الصغيرة هي التي يعمل بها 9-15 عاملاً، والمتوسطة هي التي يعمل بها 20-99 عاملاً والكبيرة التي يعمل بها 100 عامل وأكثر وتتسم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة بعدة سمات وخصائص محددة توضح ملامحها الاقتصادية، وتساعدنا في تشخيصها على المستوى الكلي مما يسهل عملية التعامل معها، ويمكن إبرازها في النقاط التالية:
1- اختلاف أنماط الملكية: يغلب عليها نمط الملكية الفردية أو العائلية أو شركات الأشخاص، وهو النمط الذي يناسب مدخرات أصحابها، حيث إن تدني رأس المال يزيد من إقبال من يتصفون بتدني مدخراتهم على مثل هذه المؤسسات نظراً لانخفاض كلفتها مقارنة مع المؤسسات الكبيرة.
2 - سهولة الانتشار والتأسيس: تستمد المؤسسات الصغيرة والمتوسطة عنصر السهولة في إنشائها من احتياجها على رؤوس أموال صغيرة نسبياً تستند بالأساس إلى جذب وتفعيل مدخرات الأشخاص من أجل تحقيق منفعة أو فائدة تلبي بواسطتها حاجات محلية أو جزئية في أنواع متعددة من النشاط الاقتصادي
3- سهولة الإدارة: تمتاز المؤسسات الصغيرة والمتوسطة بسهولة الإدارة والقيادة والتوجيه، والوضوح في تحديد الأهداف وتوجيه جهود العاملين نحو أفضل السبل لتحقيقها، وبساطة الأسس والسياسات التي تحكم عمل هذه المؤسسات وسهولة إقناع العاملين والعملاء، حيث يكون مالك المؤسسة هو مديرها في نفس الوقت، مما يسرع في عمليات اتخاذ القرارات، التكيف مع المستجدات، كما يمنحها صفة الاستقلالية في الإدارة، وذلك على عكس المؤسسات الكبيرة التي تأخذ شكل شركات مساهمة، إذ يؤدي الفصل بين الملكية والإدارة فيها إلى تعدد أهدافها
4- دعم الناتج المحلي: تلعب المؤسسات الصغيرة والمتوسطة دوراً مؤثراً في دعم الناتج المحلي لكونها أداة فاعلة في توسيع القاعدة الإنتاجية عند تطبيق استراتيجيات دعم الصادرات وإحلال الواردات، مما يساهم في علاج الاختلالات الهيكلية لموازين المدفوعات وخاصة في الدول النامية.
5- انخفاض مستوى التكنولوجيا المستخدمة: تمتاز المؤسسات الصغيرة والمتوسطة بأنها تستخدم نمطاً تكنولوجياً بسيطاً جداً مقارنة بالمؤسسات الكبيرة ويعتبر هذا النمط أكثر ملاءمة لطبيعة ظروف الدول النامية، فالتقنيات المستخدمة مكثفة للعمل نسبياً وبسيطة، كما أن المادة الأولية المرتبطة بهذه التقنيات غالباً ما تكون متوافرة محلياً واليد العاملة بها بسيطة.
6- المؤسسات الصغيرة والمتوسطة مكملة وداعمة للمؤسسات الكبيرة: يمكن للمؤسسة الصغيرة والمتوسطة أن تحقق بعض المزايا الناجمة عن فصل الوظائف أو مراحل الإنتاج ذات الوفورات الكبيرة من خلال التخصص في بعض منها، والعمل على نطاق اقتصادي مناسب.
7- الاعتماد على السوق المحلي: غالباً ما تكون المؤسسات الصغيرة والمتوسطة على اتصال وثيق مع المجتمع المحلي، حيث تأخذ هذه المؤسسات من المجتمع المحلي م وقعاً لعملياتها الإنتاجية، إذ إن المالك والعاملين ينتمون لنفس هذا المجتمع، وهذا بدوره يؤدي إلى إكساب المؤسسة خبرة كبيرة في معرفة سلوك وأذواق المستهلكين، وإشباع حاجاتهم وحجم الطلب الحالي والمستقبلي على منتجاتهم.
8- المرونة العالية والتكيف مع المتغيرات: تتميز الإدارة في المؤسسات الصغيرة والمتوسطة بالمرونة والقدرة على التكيف مع ظروف العمل المتغيرة، وكذلك تتميز ببساطة الهيكل التنظيمي واتخاذ القرار يرجع بصورة أساسية إلى خبرة صاحب المؤسسة، ولهذا نلاحظ أن هذه المؤسسات أكثر قدرة على تقبل التغيير وتبني سياسات جديدة على عكس المؤسسات الكبيرة، حيث تتعدد المستويات الإدارية.
9- المساعدة على الإبداع والابتكار: تتســـــم المؤسســــات الصغيـــرة والمتوسطة في مجال العمل بعدم وجود معوقات بيروقراطية في اتخاذ القرار وتكمن أهمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في دورها في إحداث التنمية الاقتصادية حيث تعتبر العمود الفقري للاقتصاد الوطني ومحركاً أساسياً في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وذلك من خلال ما يلي:
- زيادة الناتج المحلي الوطني: تساهم تلك المؤسسات بنسبة كبيرة في التنمية الاقتصادية سواء في الدول المتقدمة أو الدول النامية، وذلك بتوجيه المدخرات الصغيرة نحو الاستثمار وتعبئة رؤوس الأموال التي كانت من الممكن أن توجه نحو الاستهلاك، وهذا يعني زيادة المدخرات والاستثمارات وبالتالي زيادة الناتج الوطني.
- الحد من مشكلة البطالة: إن البطالة أكبر المشكلات التي تواجه الدول خاصة النامية منها، وتعتبر المؤسسات الصغيرة والمتوسطة وسيلة أساسية من وسائل مواجهة البطالة، حيث تحقق المساهمة الفعالة في إتاحة فرص عمل نظراً لطبيعة أنشطتها، لقدرتها على استيعاب اليد العاملة، إذا ما قورنت بالمؤسسات الكبيرة التي تستخدم الأساليب الحديثة مقابل نسبة ضعيفة من اليد العاملة، كذلك قدرتها على التكيف في المناطق النائية الأمر الذي يمكنها من الحد من ظاهرة البطالة الريفية، والهجرة من الريف إلى المدينة عن طريق توطين اليد العاملة وبقاء السكان في أماكن إقامتهم الأصلية.
- تنمية المواهب والابتكارات: تلعب المؤسسات الصغيرة والمتوسطة دوراً فعالاً في تعزيز وتشجيع المواهب، بإعطاء فرصة لأصحاب المهارات والإبداعات من أفراد المجتمع الذين يمتلكون قدرات مالية محدودة من خلال توظيف مهاراتهم وقدراتهم الفنية وخبراتهم العلمية والعملية لخدمة مشاريعهم.
- تحقيق الاستقرار الاجتماعي: المؤسسات الصغيرة والمتوسطة لها دور مؤثر وفاعل في تحقيق الاستقرار الاجتماعي للمجتمع ككل حيث تساهم في توليد الكثير من فرص العمل الأمر الذي يؤدي إلى إشباع حاجة الفرد وضمان ارتفاع دخله بما يحقق الكفاية له ولأسرته، كما أنه لها دور فاعل في تحقيق الاستقرار الاجتماعي عن طريق الحد من الهجرة الداخلية والخارجية، من خلال تركيزها على تلبية حاجة الفقراء في المجتمع وتساهم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في توسيع عملية تصدير المنتجات الصناعية وزيادة التدفقات الاستثمارية، حيث تعتبر هذه المؤسسات الوسيلة الأفضل لمواجهة التحديات المفروضة على الاقتصاد العالمي المستند أساساً على منتجات المؤسسات الكبيرة.
*باحث في العلوم الإدارية والمالية