هناك مصطلحات عديدة نستخدمها في حياتنا، كلها تحتمل تفسيرات متعددة، وتأويلات مختلفة، لكن هناك بعضاً منها لا يحتمل أكثر من تصريف أو تأويل.
من تلك المصطلحات التي من المفترض أن تكون ثابتة ولا تتحرك وتتلوى مضامينها، مصطلح «الولاء والانتماء»، خاصة إن كان مرتبطاً بالوطن.
اليوم يمكنك أن تسأل أي شخص هذا السؤال: هل أنت تنتمي لهذا البلد؟! وهل أنت موالٍ لوطنيتك وقيادتك وقوانينك؟!
يمكن أن تكون الإجابة بسهولة مطلقة بـ«نعم»، لكن الفارق هنا، بأن هذه المصطلحات بالتحديد -أي الانتماء والولاء- ليست مجرد مصطلحات تثبت مصداقيتها بالكلام والقول أو حتى الادعاء.
الولاء والانتماء، مصطلحات لا بد وأن تكون «مقدسة» في العرف الوطني، وتقديسها لا يكون بالأقوال تجاه هذا الوطن، لكن تقديسها ورفع شأنها يكون بالأفعال وحدها.
الوطنية لا تمنح كصك لمن يقول بأنه «وطني» بلسان لا عظم فيه، والانتماء لا يقر للشخص إن كانت تصرفاته لا تنم عن انتماء «مطلق» للأرض.
لذا بات من العام أن يثبت كل شخص ولاءه وانتماءه للوطن بالفعل قبل القول، بالتمثل بمفهوم هذه المصطلحات لا التفاخر بها كلامياً، وتحويلها لـ«إكسسوارات» توضع.
رأينا في مراحل متعددة من تاريخ هذا الوطن، كيف أن الولاء والانتماء استخدما كـ«محسنات لفظية» في تصريحات وأقوال، وكيف أنهما ككلمتين من السهل أن تكتبا في أي سياق وفي أي مقال وفي أي كلمة وفي أي نشرة، لكن المسألة لا تقف هنا في سهولتها.
إن كنا نتحدث عن الانتماء، فهو يكتشف من خلال الأفعال فقط، هناك من يقولون بأنهم منتمون للبحرين، لكن أفعالهم تقول العكس، وتجزم بالعكس، بل وتبين أن ولاءهم يتجه لصوب آخر، والمخجل أنه يتجه لمن يعادي البحرين أصلاً، ومن يضمر لها الشر ويكن لها البغض، هؤلاء هل يمكن اعتبارهم منتمين لهذه الأرض؟!
والله حتى لو قالوها في اليوم مليون مرة، ولو كتبوها مليار مرة، كلها تطير كزبد البحر إن كان الفعل لا يستق مع القول، وما أخطرها من كارثة إن كان الفعل في مسألة «الانتماء للوطن» يتناقض ويتعارض مع الأقوال والتصرفات.
من انتماؤه للبحرين لا يمكنه بأي حال من الأحوال أن يعمل ضدها، لا يقوى لسانه أصلاً على مسها بسوء، ولا يقبل على الإطلاق أن يراها تستهدف ويقف ساكناً متفرجاً، لا فعل يصدر عنه ولا لسانه ينطق بحرف.
الانتماء لبلادي يجعلني أعادي فوراً من يعاديها، لا يجعلني أصلاً أفكر لثانية أو أتردد للحظة في الدفاع عنها. هذا هو الانتماء.
ابحثوا يومياً عمن يدعون الولاء وقارنوا القول بالفعل، ستكتشفون بأن هناك من «المنافقين» و«الكذابين» حشداً كبيراً، غالبيتهم كانوا ممن باعوا البحرين في لحظة، وممن انقلبوا عليها، وممن حرضوا ضدها، وممن شوهوا صورتها في الإعلام الخارجي، هؤلاء جريمة في حق الوطن أصلاً لو قبلنا بادعائهم الكاذب أنهم «منتمون» للبحرين.
أما الولاء، فهو الشيء الذي لا تساوم عليه، ولا تقبل نظيره مكسباً ولا منصباً ولا جاهاً، الولاء للأرض والقيادة أمر مزروع في نفس المخلصين المحبين لبلادهم المؤمنين بصلاح قيادتهم، والداعمين لقوانين البلد والساعين في الخير لأجلها.
لا يكون موالياً لبلده وقيادته والنظام من ولاؤه الرئيس لشخصيات خارجية وجهات أجنبية، بل لا يحسب له الولاء لتراب بلاده من يقبل بأن يبيعها للآخرين طمعاً في اقتطاع أجزاء من الكعكة، من يقبل بأن يكون عنصراً في طابور خامس أو عميلاً ينفذ أجندة حاقد وكاره.
وعليه من يريد اليوم أن يزايد على البلد وقيادتها والمخلصين من شعبها في شأن الولاء والانتماء، عليه أولاً أن يثبت أنه هو المنتمي والموالي لبلاده، عليه أن يثبت أولاً بأنه لم يخل بواجباته تجاهها، ولم يتطاول عليها، ولم يحرض على قيادتها ونظامها، ولم يحاول شق الصف بين أبناء الشعب، ولم يسعَ ليل نهار لضرب كل شيء فيها، للتشكيك في سياساتها وإجراءاتها، وأنه لم ينل من سمعتها ويصمت في وجه أعدائها.
الانتماء والولاء أمور لا تدرس ولا تكتسب، هي أمور تنبت في قلب المخلص لبلاده، بذرتها الإحساس بفضل هذا الوطن عليك، بنعمه المسبغة عليك، بالارتباط القوي بالكيان والإدراك أنه بدون ديمومة هذا الكيان وقوته يتحول الإنسان إلى «لا شيء».
الشعوب التي باعت انتماءها وولاءها، هي اليوم شعوب محكومة رغماً عن إرادتها، هي شعوب ضاعت بلدانها، وتحولت لبلدان تدار بالوصاية لصالح جهات أخرى، وكلت الأمور فيها للخونة والعملاء والطوابير الخامسة.
من ينتمي لبلاده ويواليها من الاستحالة أن يخونها، هذا هو معنى المصطلحات هذه، والتي يصعب أن نجدها متحققة لدى من انقلب على البحرين يوماً وسعى لاختطافها.
قالوا «منتمين وموالين» قالوا! وكيف يكون الخائن موالياً.. هزلت!