لعل العنوان الأفضل الذي يمكن إطلاقه على البيانات التي تصدرها الجمعيات السياسية في هذه الفترة هو «اليجبيات» أو «الينبغيات»، ذلك أنها تخلو من الحديث عن عمل قامت أو ستقوم به تلك الجمعيات وركزت على القول بأنه «يجب» أن يفعل كذا وكذا، و»ينبغي» أن يفعل كذا وكذا، وكأن تلك الجمعيات جمهور يتابع مباراة لا علاقة لها بالفريقين المتباريين فيها.
هنا فقرة تؤكد هذا الكلام تضمنها بيان صدر أخيراً عن واحدة من تلك الجمعيات، «ودعت الأمانة العامة إلى ضرورة أن يتخطى وطننا ومجتمعنا كل هذه التحديات والمصاعب، والتخلص من الحالة المأزومة والمقلقة الراهنة، وتهيئة السبل أمام الانتقال إلى خيار الحوار والتوافق والاستقرار الوطني وبما يؤمن المصلحة الوطنية الشاملة»، لكن البيان لا يشير لا من قريب ولا من بعيد إلى ما قامت أو ستقوم به هذه الجمعية «ليتخطى وطننا ومجتمعنا التحديات والمصاعب» التي تم ذكرها في البيان، ولا إلى دورها في «التخلص من الحالة المأزومة والمقلقة» أو ما يفترض أن تقوم به من عمل «لتهيئة السبل أمام الانتقال إلى الحوار والتوافق الوطني»، رغم أن هذا واحد من المهام الأساسية للجمعيات السياسية.
ما يفهم من تلك البيانات أن الجمعيات السياسية تعتقد أن دورها منحصر فقط في دعوة الحكومة إلى إيجاد حل للمشكلة والحالة، وهذا خطأ كبير تقع فيه، لأنها شريك في عملية إيجاد الحلول، مثلها مثل الحكومة وغيرها من الأطراف ذات العلاقة. دور الجمعيات السياسية يتخطى إصدار البيانات والدعوة إلى إيجاد حلول للمشكلة والقول إنه يجب وينبغي، فهي مسؤولة كما الحكومة وكما الأطراف الأخرى.
من هنا يأتي السؤال مدوياً، ماذا فعلت تلك الجمعيات السياسية لإخراج البلاد مما صارت فيه؟ وماذا ستفعل اليوم وغداً لتحقيق هذا الأمر؟ ما الخطوات العملية التي اتخذتها لإقناع الحكومة بأهمية العودة إلى الحوار؟ وماذا فعلت لـ«تبريد الساحة والدفع بها في اتجاه التهدئة السياسية والإعلامية»؟ و»لإشاعة أجواء الثقة والأمل»؟ و»لوضع البلاد على سكة الأمان والاستقرار وتحصين الوضع الداخلي في وجه المخاطر والتحديات الداخلية والخارجية»؟
ليس مقبولاً من الجمعيات السياسية والبلاد تمر في هذا الذي تمر فيه أن تدعو إلى فعل كذا وكذا، وليس مقبولاً منها الاكتفاء بالقول وإصدار البيانات، بل عليها أن تقوم بعمل ما تعرفه هي جيداً يسهم في تحقيق ما ينتظره الجميع بعد كل هذا الذي جرى في الأعوام الخمسة الأخيرة. المرحلة التي يمر بها وطننا العزيز تفرض على الجمعيات السياسية أن يكون لها دور مختلف عن الدور الذي تقوم به حالياً والمقتصر على إصدار البيانات وتقديم النصح والقول إنه يجب وينبغي. على الجمعيات السياسية أن تتحرك وتقوم بعمل ما تطلع جمهورها والشعب عامة عليه لتوفر لهم على الأقل الإحساس بأنه لايزال هناك أمل في الوصول إلى نهاية سعيدة. تواصل هذه الجمعيات مع الحكومة والأطراف الأخرى ذات العلاقة وتقديمها رؤى وتصورات عملية والتوصل إلى أفكار تؤدي ترجمتها على أرض الواقع إلى تلك النهاية السعيدة هو ما «ينبغي» و»يجب» أن تقوم به وليس إصدار البيانات و»التعبير عن القلق البالغ جراء هذه الأوضاع» أو الدعوة إلى «وحدة الصف والتكاتف للتغلب على الصعوبات التي يواجهها وطننا».
اكتفاء الجمعيات السياسية بـ«مطالبة الجهات الحكومية والرسمية بمعالجة الملفات والقضايا الوطنية والسياسية والاجتماعية والمعيشية التي تمس حياة ومستقبل المواطنين بروح من المسؤولية الوطنية وتحقيق العدالة الاجتماعية التي تحفظ الحقوق وتصون الكرامة الإنسانية»، اكتفاؤها بذلك يعني بداية نهايتها، فمن يكتفي بمثل هذا يعني أنه يعلن أنه ليس طرفاً وإنما جمهور متابع ومنتظر للنتيجة.