وصل إلى مركز حماية الطفل التابع لوزارة العمل والتنمية الاجتماعية خلال عام ونصف 1000 بلاغ، عن أطفال تعرضوا للإساءة، أكثر من 300 حالة من هذه الألف أحيلت للجهات المختصة، من نيابة أو محاكم أو مراكز شرطة أو وزارة تربية وتعليم أو إحالتها إلى مركز إيواء، بمعنى أن 300 حالة تطلبت تدخل جهات رسمية لمعالجتها الفورية، وبعض تلك الحالات تطلبت إبعاد الطفل عن بيته لأن المعتدين هم أقاربه من الدرجة الأولى و700 حالة تطلبت معالجة نفسية وإرشاداً وقام المركز بمتابعتها.
المركز قصة نجاح حكومية تحتاج لمزيد من الدعم والتوعية به وبخدماته من أجهزة الإعلام وبقية الجهات ذات العلاقة، فهو يوفر جميع الخدمات التي يحتاجها الطفل في حال وصول البلاغ عن اعتداء على الطفل في مكان واحد آمن تتواجد به وزارة الداخلية والصحة ووزارة العدل معاً بدلاً من تنقل الطفل بينهم.
ممثلو هذه الجهات موجودون بملابس مدنية لطمأنة الطفل، ببيئة تسمح بأخذ أقواله وبفحصه وتقديم العون النفسي له بعيداً عن مراكز الشرطة والمستشفيات، هو ليس مركز إيواء، إنما يوفر البيئة المريحة للطفل المعتدى عليه كي تستكمل إجراءات التحقيق معه وفحصه في مكان واحد، وفي حالة كان الاعتداء على الطفل من منزله فإنه يبقى تحت حماية وزارة التنمية الاجتماعية في مركز للإيواء منفصل ولا يعاد للبيت الذي تعرض فيه للاعتداء، وهناك حالات مضت عليها سنوات لم تعد لبيتها لعدم توفر الأمان فيه، وحالات تمت فيها معالجة الأسرة ودعمها و»اصطلح» حالها وتم إبعاد مصادر التهديد وعدم الاستقرار فيها وعاد لها أطفالها.
الدولة تقوم بدورها هنا في علاج «ما بعد» ظاهرة الاعتداء على الأطفال على أحسن ما يرام، إنما ماذا عن دور الدولة في الرعاية الأولية والتوعية «لما قبل» حدوث الاعتداء؟ فالرقم الذي وصل للمركز كبير وعدد كبير من تلك البلاغات الأطفال كانوا هم المبلغين عن الاعتداء عليهم، نحن نتحدث عن معدل 55 حالة شهرياً، رقم لا يستهان به في مجتمع صغير كمجتمعنا، وعادة ما تكون هذه الأرقام هي قمة لجبل جليدي، أما قاعدة هذا الجبل فهي تلك التي لم تصل إلى علم المركز!!
الأمر يحتاج إذاً إلى جهد كبير تتعاون فيه جميع أجهزة الدولة لتوعية جميع الأطراف المعنية بما فيها الطفل قبل حالة الاعتداء، جهد يتجاوز الإعلان عن المركز، إنما يبحث عن برنامج شامل للتقليل من حجم هذه الظاهرة ومنعها قبل أن تحدث، يجب أن يعرف الطفل كيف يحمي نفسه من الاعتداء ويعرف المعتدي أن يد القانون ستطاله قبل حدوث الاعتداء، مراجعة القوانين والتشريعات، مراجعة إجراءات التبليغ مراجعة نشر وإعلام المجتمع وبكل اللغات.
لا يجب أن نتهاون أو أن نتردد بنشر القصص التي نعرفها والتي وصلت إلى سمعنا عن أشكال الاعتداء وطرق إخفائها خوفاً على «سمعة» البلد أو خوفاً من «تشويه» صورة البحرين، المجتمع يحتاج أحياناً لصدمات نفسية تجعله يعيد النظر في حالات التهاون التي تعتريه نظراً لاعتقادنا أن الدنيا «آمان».
كما أن المعتدين يظنون دائماً أنهم في مأمن، هؤلاء يجب أن تصلهم التحذيرات مسبقاً بالعقوبة الموجودة في القانون البحريني وتصلهم بجميع اللغات المستخدمة في البحرين وبنشرات تستخدم فيها الصورة مثلما تستخدم فيها الكتابة فكثير من العمالة الأجنبية الموجودة في البحرين لا تجيد الكتابة!
فإذا نجحت الدولة في جمع شمل الجهود التي كانت مبعثرة لعلاج حالات ما بعد الاعتداء، فإنها مطالبة اليوم بجمع جميع الجهود التي تحول وتمنع الظاهرة قبل حدوثها، فدرهم وقاية خير من قنطار علاج.