حين كنت معنياً بإدارة الشؤون الصحافية في قطاع الإعلام الخارجي بوزارة الإعلام في عام 2001، كنا نعد يومياً ومن الصباح الباكر تقريراً يرصد أخبار البحرين المنشورة في الصحافة العربية والأجنبية، وأيضاً نلفت الانتباه في التقرير اليومي إلى بعض الأمور المهمة من الصحافة المحلية بالأخص ما يتعلق بوزارة الإعلام.
هذا التقرير الصباحي اليومي أصبح عرفاً في وزارتنا منذ ذاك التاريخ، ومازال يعمل به، بل انتشر بشكل واسع على نطاق كافة الوزارات، بحيث باتت الوزارات والقطاعات ترصد إدارات وأقسام الإعلام والاتصال المؤسسي وكافة الأخبار المعنية عنها والمنشورة في وسائل الإعلام، وطبعاً من بينها الملاحظات والانتقادات التي تنشرها سواء الصحف على هيئة أخبار، أو المقالات للكتاب أو شكاوى القراء، وعليه تبني ردودها وبياناتها الموضحة للنقاط المثارة.
هذا كان العرف السائد والمستمر ليومنا هذا، وبات التقرير الصباحي اليومي أمراً يهتم به الوزراء وكبار المسؤولين في القطاعات، لأنه يلخص لهم الأخبار المهمة بحيث يغنيهم عن قراءة الصحف منذ الصباح الباكر، بل يوضح لهم المواضيع التي تناولت قطاعهم.
وعليه، فإن كان بعض الناس يظن بأن ما ينشر في الصحافة وما يتحدث به الناس في البرامج الإذاعية الصباحية لا يصل المسؤولين، فإنه مخطئ الظن، إذ كل شاردة وواردة معنية بقطاعهم يصلهم، وبعدها هم لهم الخيار في التعامل بحسب ما يقتضيه الموقف.
في عديد من الاجتماعات التي جمعتنا ككتاب رأي مع صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس الوزراء الموقر حفظه الله، كان ولايزال يؤكد سموه على المسؤولين «وجوب» التفاعل مع ما تنشره الصحافة، و«إلزامية» الرد والتوضيح بشأن النقاط المثارة بسببها التساؤلات، فهو -أي صاحب السمو- يطبق هذا التوجيه حرفياً في ديوانه، فكثير من المرات جاءتنا والزملاء الكرام اتصالات من مسؤولي ديوانه لينقلوا لنا ملاحظات سموه على مقال ما، أو يطلبوا منا معلومات أكثر بشأن الحالات التي نتحدث عنها، وللأمانة ومن تجربة معاشة، فإن تفاعلات سمو رئيس الوزراء مع ما تنشره الصحافة وما ينقله الكتاب من هموم الناس وملاحظاتهم، أكثر بكثير وتفوق تفاعلات كل الوزراء لو جمعناها معاً.
الأمانة تقتضي منا القول إن هناك وزراء يتفاعلون بسرعة وفي نفس اللحظة مع وسائل الإعلام التي تنشر المواضيع وتشير للمشاكل، وهذا يحسب لهؤلاء المسؤولين، فهم يطبقون أسلوب تعامل «محترم» من منطلق مسؤولية المتابعة، وليسوا كمن يطبق أسلوب «طنش تعش» أو «الحقران يقطع المصران»، وصدقوني الأسلوبان الماضيان يطبقهما بعض المسؤولين بتقصد.
عموماً، في عصر الثورة المعلوماتية، انفتحت أبواب واسعة أمام الناس من خلال وسائل التواصل الاجتماعي لنشر ملاحظاتهم وشكاواهم وانتقاداتهم، بل زادوا على الكتابة بإمكانية نشرها بالصوت والصورة، وأصبح المواطن من خلال هاتفه الذكي منافساً للصحافة في النشر والانتقاد، وهذا أمر أراه إيجابياً إن كنا سنذهب للهدف الأول والأساس والأسمى الذي من أجله أنشئت الصحافة.
وعليه نراه خبراً يثلج الصدر ذلك الذي أعلن عنه وزير الإعلام علي الرميحي بإنشاء منظومة إلكترونية لرصد ملاحظات المواطنين من الوسائل الإعلامية، وذلك بتوجيه من سمو رئيس الوزراء حفظه الله.
بالتالي نشهد اليوم مرحلة ستتابع فيها الحكومة شكاوى الناس وانتقاداتهم وملاحظاتهم «إلكترونياً»، وهي مسألة أكثر تعقيداً وصعوبة من الاكتفاء بمتابعة ما تنشره الصحافة أو تبثه الإذاعة بالحدود التي تسمح بها، لكنها في نفس الوقت خطوة إيجابية ستحرك الكثير لو بالفعل تم وضع ملاحظات الناس في الاعتبار من قبل الجهات المعنية والمختصة بهذه الملاحظات وتم حل الإشكاليات بناء على ذلك.
رغم أن وسائل التواصل الاجتماعي ستصل لأكثر من عقد على انتشارها واستخدامها، طبعاً باختلاف التقادم الزمني لبعض البرمجيات التي تدخل تحت مظلتها مثل «الإنستغرام» و«السناب شات»، إلا أن هذه الخطوة تعني بأننا وصلنا لمرحلة يتوجب علينا كجهات رسمية أن نواكب هذا التطور، والأهم أن ندرك بأن صوت المواطن يمكن الوصول إليه ومعرفته بسهولة شديدة، معها لا نحتاج فقط للجرائد والكتاب حتى يكتبوا وينبهونا.
وهنا ملاحظة بشأن الآلية التي ستتبع، خاصة وأننا نعلم بأن بعض أنواع المسؤولين يستاء من كلمة نقد من الكتاب والصحافيين، فما بالكم بالمواطنين وأسلوبهم «غير المنقح» كتابياً، خاصة المواطنين الذين يكتبون مباشرة وعلى سجيتهم، هل ستكون ملاحظاتهم وانتقاداتهم بغض النظر عن الأسلوب المستخدم والتعبير المستعمل، هل ستكون واصلة للمسؤولين ويتلقونها بصدر رحب، أم أن مصيرها التجاهل وعدم الاكتراث؟!
هنا سنطالب بالجدية في التطبيق، والاهتمام بكافة ما ينشر ويعبر عنه الناس، طبعاً مع التفنيد والتقييم الصحيح والعادل لكل ما يرد، وحبذا لو استفادت الجهات الرسمية من حساباتها على وسائل التواصل الاجتماعي بشكل أقوى، بحيث يمكن للناس أن تكتب تحت «تويتر» هذه الجهة أو «إنستغرام» تلك الجهة ملاحظاتها ويتم الاهتمام بها والتعامل بشأنها، والحق يقال بأن بعض الجهات تفعل ذلك.
خطوة إيجابية، لكننا نقول هنا، بأن الإنجاز لن يكون فقط بالاستماع واستقبال آراء الناس وملاحظاتهم وانتقاداتهم، بل الإنجاز سيكون بما سيترتب عليه ذلك من معالجات وإيجاد حلول وإنهاء للمشاكل.
مع تمنياتنا بالتوفيق، والتذكير بأن رضا الناس غاية لا تدرك، لكن السعي لتحقيقها أمر مطلوب وواجب.