الدعم الذي صارت تحصل عليه قوات «الحشد الشعبي» في العراق من قبل إيران، وذاك الذي يحصل عليه منها «حزب الله» اللبناني والذي أكده أمينه العام في واحد من خطاباته الأخيرة، وتحصل عليه كذلك قوات النظام في سوريا وميليشيات الحوثي وعلي عبدالله صالح في اليمن، كله يؤكد أن إيران وظفت المبالغ التي كانت مجمدة وحصلت عليها في أعقاب الاتفاق النووي ورفع العقوبات عنها في مشروعها الهادف إلى السيطرة على المنطقة بالطريقة التي خططت لها، والأكيد أن التقدم الذي حققته المجموعات المدعومة من إيران في كل هذه الدول أخيراً كان أبرز أسبابه استرداد إيران لتلك الأموال. هذا يعني أن إيران ظفرت بالكثير من ذلك الاتفاق الذي لايزال يقلق دول مجلس التعاون خصوصاً بعد مجموعة التصريحات التي صدرت عن مسؤولين أمريكيين وصولاً إلى الرئيس باراك أوباما يفهم منها أن الولايات المتحدة لم تعد «تنحاز» إلى حلفائها وأنها «مضطرة» إلى الحياد فيما يخص الصراع بين إيران ودول التعاون وخصوصاً المملكة العربية السعودية.
التطورات التي تشهدها المنطقة والتحرك الإيراني وتحكم طهران في العديد من الملفات ودخولها بشكل مفضوح في سوريا واليمن والعراق ولبنان، كلها تدعو إلى التفكر جيداً في العلاقة الجديدة التي صارت تربط هذه الجارة الضارة بالولايات المتحدة والغرب إثر توقيع الاتفاق النووي ورفع العقوبات عنها، فما يجري يؤكد الحقيقة المرة والتي ملخصها أن الولايات المتحدة وجدت أن مصلحتها الكبرى مع إيران وليس مع حلفائها الخليجيين وإن أنكر المسؤولون الأمريكيون ذلك عبر التصريحات التي يضطرون إلى الإدلاء بها كلما أثير هذا الموضوع وكلما عبرت دول مجلس التعاون عن قلقها وعدم ارتياحها من الاتفاق النووي وصفحاته السرية.
مثل هذا الوضع ومثل هذا التطور يزيد من نسبة القلق على البحرين التي لاتزال إيران تزعم أنها جزء منها وتابعة لها وإن اضطرت أحياناً إلى الإدلاء بتصريحات مناقضة لنواياها. اليوم تجد إيران ما يجري في البحرين تطوراً مهماً من شأنه أن يوفر الظروف المناسبة والمعينة لها على التدخل بطريقة أو بأخرى، لهذا فإنها تدفع في اتجاه تأكيد الادعاء والزعم بأن الشيعة مستهدفون من قبل النظام في البحرين، وتهتم بنشر مقولة إن «الحكومة في البحرين تضيق على الشيعة بغية القضاء على المعارضة»، فمثل هذه الأقوال والادعاءات توفر لها المبررات اللازمة لتتدخل بشكل مباشر خصوصاً وأنها تعتبر نفسها حامي حمى الشيعة والمسؤول الأول عن أتباع هذا المذهب في كل العالم.
إن أحد أهم الأسباب التي تجعل إيران تعمل بحرية وتعتقد أنها يمكن أن تتدخل بشكل مباشر في شؤون البحرين الداخلية هو أن كل دولة من دول مجلس التعاون الخليجي تربطها بإيران علاقة مختلفة، ما يجعلها ترفض التعامل مع دول المجلس ككتلة واحدة وبالتالي يسهل عليها اللعب على المتناقضات. مثل هذا الوضع خطر على البحرين وينبغي الانتباه له جيداً خصوصاً مع التطورات الأخيرة التي توفر لإيران مبررات التدخل لإنقاذ ما تعتبره «إهانة العمامة».
واقع الحال يؤكد أن لكل دولة من دول التعاون ظروفها التي تحتم عليها التعامل مع إيران بطريقة معينة، فهذه تحكمها معها اعتبارات أمنية، وتلك مصالح اقتصادية، وثالثة اعتبارات جيواستراتيجية، أي أن هناك تبايناً في المصالح يصعب معه التوصل إلى موقف موحد تجاه إيران.
نظرياً وحسب الباحث أشرف كشك «يجب على دول المجلس صياغة استراتيجية متكاملة لمواجهة السياسات الإيرانية على الصعد السياسية والاقتصادية والعسكرية»، لكن عملياً يبدو أن هذا صعب التحقق إن لم يكن مستحيلاً، وهو ما يجعل البحرين عرضة للتدخل الإيراني المباشر خصوصاً مع التطورات الأخيرة والتي من المؤكد أن إيران تتابعها عن كثب.