كم من قصص نجاح بحرينية صغيرة ومتناثرة قام بها الإنسان البحريني موظفاً صغيراً كان أو وزيراً في أجهزة الحكومة، استطاع أن يحقق بها للبحرين مراكز دولية متقدمة وتصنيفاً دولياً متقدماً لكننا لا نعرف عن حكايتها شيئاً لأننا نعرف كيف نرويها «إعلامياً» وحتى لو سلطنا عليها الضوء بأدواتنا الإعلامية العقيمة فضوؤنا الذي نسلطه عليها يسيء للجانب المضيء في روايته فتضيع الرواية.
تماماً مثل البطل علي خميس الذي ما رأيناه نحن في البحرين إلا حين رآه العالم يركض في البرازيل وقد كان بيننا ولا نعرف عنه شيئاً، مثله هناك مئات إن لم يكن آلافاً من «علي خميس» من البحرينيين الذين حققوا قصص نجاح داخل البحرين واستطاع العالم أن يراهم ويشيد بهم لكن المجتمع البحريني لا يعرف عنهم شيئاً.
إصرارنا على التمسك بأعراف إعلامية عقيمة حولت لون قصص النجاح عندنا إلى لون باهت بلا طعم وبلا رائحة.
دون تفسيرات تصطاد في الماء العكر، حتى لا يزايد بعضنا على بعض، يصر إعلامنا على أن تستغرق رسائل الشكر للقيادات نصف الوقت المخصص للرواية الإعلامية عن أي قصة نجاح لأي إنسان بحريني، والسؤال لماذا؟ قياداتنا لا تريد الشكر بقدر ما تتمنى أن يقدر الإنسان البحريني نفسه وإنجازاته وما تحقق له في عهدها تلك وحدها رسالة شكر، حجم الرضا والثقة بالأداء الحكومي هو شكر بحد ذاته دونما حاجة لتلك الرسائل التي تعطي نتائج عكسية، الفرح بنجاحات الإنسان البحريني بتجرد رابط وقوة علاقة بحد ذاتها بين الإنسان البحريني وحكومته ودولته رابط عفوي وتلقائي، لماذا الإصرار على طريقة إعلامية عقيمة تطفئ وهج الجهد الذي بذله هذا الإنسان فلا يصل الشكر للقيادة ولا تصل قصة النجاح للناس.
أداء العديد من أجهزة الدولة الحكومية رائع وممتاز وهناك جهود قام بها بحرينيون مازالت في الظل بالنسبة لنا رغم أنه من خلالها تقدمت البحرين لمراكز أمامية، علم عنها المجتمع الدولي وجاء يستقي من تجاربنا خبرة، لكنك لو حلفت على المصحف للبحرينيين أنها موجودة لن يصدقوك وقالوا عنك «مطبلاً»
ولو كان تقبل الحكومة للنقد بلا حساسية، ولو كانت الرقابة على الأداء الحكومي جزءاً من نظامها السلس العادي جداً يتقبله المسؤول الحكومي بلا حساسية مفرطه حتى وإن كان نقداً جارحاً، لكسبت الحكومة ثقة الناس بأنها مثلما تسمع نقده سيسمع هو قصص نجاحاتها، الميزان هنا متعادل ولو كنت مكان أي حكومة لسمحت بتمرير هذه مقابل أن يسمعني المواطن في تلك، على الأذن الحكومية أن تعتاد النقد حتى تعتاد أذن المواطن على سماع قصص النجاح.
عنصر آخر وقصة أخرى لغياب قصص النجاح، تلك المرتبطة بضعف الراوي وقلة خبرته وبجهوده في تلميع نفسه على حساب الحكومة والقيادة إن كان مسؤولاً، فيهدر وقت الدولة على شراء ذمم المادحين له بدلاً من ترك القصة تروي نفسها، ويهدر الوقت الباقي في قمع وقتل الناقدين وترهيبهم، فأفسد علاقة هي بالأصل تحتاج لترميم.
عنصر آخر من عناصر ضياع قصص النجاح، سرد النقد وسرد النجاح والإنجاز بحاجة لمن يسردهما بلا إسفاف و لا مزايدات، دع القصة تروي نفسها، دع المقارنة مع المعايير الدولية ومع الأوضاع في الدولة الأخرى تمنحك مكانتك، لا نفترض غباء المتلقي فنبني الرواية على هذا الأساس بل نثق بذكاء المتلقي فنحترم عقله حين نروي.
أخيراً؛ وسائل الرصد التي تضعها القيادة لجس نبض العلاقة بينها وبين المواطنين عليها أن تكون في يد متجردة وحيادية وصادقة لا من دائرته تزين له ما يريد سماعه، فبعض أجهزة الرصد وبعض الدوائر المغلقة تنقل زيفاً وخداعاً صوراً غير حقيقية ولا تنقل درجات السخط والتذمر كما هي في الواقع، فلا يسأل بعد ذلك أحد من المسؤولين لماذا لا نسمع ولا نرى قصصاً لنجاحات الإنسان البحريني؟!
العلاقة بين المواطن والدولة بكل عناصرها «أرضاً وحكومة وشعباً» علاقة مطردة غير ثابتة تتأثر بالعديد من العوامل أحدها جهل وتخلف وسائل التواصل بين المواطن والحكومة «عنصري الدولة الرئيسين» فكلما تحسنت العلاقة بين المواطن والحكومة، تحسنت بدورها العلاقة بين المواطن والدولة، والعكس صحيح.
تحكم الحكومة بالوسائط ووسائل التواصل أضعف كثيراً وأضر بها وبإنجازاته، وتتأثر بالتالي العلاقة المطردة بين المواطن والحكومة، لديكم قصص نجاح كثيرة تستحق أن تروى وترفع أسهمكم لدى المواطن، لكنكم أفسدتموها بطريقة سردكم لها وبتحكمكم وحساسيتكم المفرطة تجاه النقد وبالاعتماد على من يلمع نفسه على حسابكم، فضاعت قصصكم الناجحة.