لربما السؤال يبدو سهلاً في إجابته لدى كثير من الناس، لكننا نطرحه اليوم بهدف المزيد من إلقاء الضوء لأهميته.
الأهمية مرتبطة بالظروف المحيطة بنا، بالمتغيرات، وبظروف الميزانية، وبالمرحلة التي نقبل عليها، إذ البحرين ليست في حاجة اليوم لخسارة أي وقت في عملية التحسين والبناء والتطوير، بالتالي عمليات التدمير لأي قطاع ولو كان دوره صغيراً جداً في منظومة العمل الحكومي، عمليات مرفوضة تماماً.
في رأيي الشخصي المستند إلى نظريات وتطبيقات علم الإدارة ومن واقع معايشات كثيرة في أوساطنا العملية، وبناء على ما يصلنا من مواقف ومشاهد وخبرات، ألخص عمليات التدمير في «مفجر» واحد فقط.
وأصف العامل هنا بـ»المفجر»، لأن المسألة برمتها تشبه عملية هدم المباني، سواء أكانت مباني شاهقة أو متوسطة أو صغيرة.
حينما تريد هدم أي نوع من أنواع هذه المباني، يقوم خبراء الهدم بالاستعانة بخبراء المتفجرات، فتفجير المبنى بشكل عمودي أسهل طرق تسوية المباني الشاهقة بالأرض.
وعليه فإن عامل الهدم هنا يكون بمثابة «المفجر» أو عود «الديناميت»، وطبعاً لو كان الوضع سيئاً فعلاً، فسنجد أن عوامل التفجير تتحول وكأنها حزمة أصابع للديناميت فيكون التفجير قوياً، والانهيار أقوى.
ولأننا نتحدث عن قطاعات حكومية، فإن عملية التفجير هذه والهدم السريع لن تمر بسلاسة دون أية أضرار فيما حولها، لن ينزل المبنى الشاهق بأنقاضه بشكل عمودي ويتكود في منطقته، بل بالضرورة سيكون الهدم متناثراً، فتسقط حجارة هنا وهناك وأعمدة ستتطاير وأخشاب ستحلق مبتعدة لتصيب مباني أخرى وتخلف فيها أضراراً، سواء أكانت بسيطة أم جسيمة، لكنها تسمى في النهاية أضراراً.
هذا توصيف لما أراه في عملية تراجع بعض القطاعات وسوء إدارتها، بعضها سيكون مثل المبنى الذي يتم تفجيره ليتهدم على رأس من فيه، ويطال الضرر المباني القريبة، وبعضها لربما يترك بلا تفجير، لكن يترك وهو في حالة خربة ليتحول إلى بيت أشباح، قاطنوه سيكونون مفرغين من أية دافعية أو حماس أو رغبة في التطوير والعمل.
«الديناميت» هنا يتمثل بالأشخاص الذين يمنحون المسؤولية، ويوضعون على محك الاختبار، ويقع على عاتقهم تطوير القطاع والنهوض به، وكذلك النهوض بكوادره وقيادتهم، لكنهم يعملون بخلاف ذلك، فيتحولون إلى نقمة للمكان، عاملين على هدمه بوعي أو بدون وعي.
لذلك أقول إننا لو أردنا هدم قطاع ما، لو أردنا قتله، لو أردنا إنهاءه، فإن العملية سهلة جداً ولا تستغرق وقتاً، يكفينا «إصبع ديناميت» واحد يغره المنصب، ويتجاهل الأعراف الإدارية الصحيحة، ويعمل لأجل نفسه لا للدولة، حتى نجد القطاع متهاوياً وفي أوضاع مأساوية.
لدينا نوعيات من المسؤولين وللأسف الشديد هم يضرون البلد أكثر مما يخدمونها، يتمثل ذلك عبر أساليب الإدارة الخاطئة، ومن خلال تحويل القطاع العام إلى خاص، وعبر التحكم بمصائر الموظفين وكأنهم موظفون في شركة خاصة لا موظفون في الدولة أمرهم الإداري يرجع في النهاية لديوان الخدمة المدنية الذراع الإداري للحكومة.
هذه أوضاع يفترض بأنها تقود لاستياء أصحاب القرار في الدولة، إذ من الاستحالة أن تقبل الدولة بمن يقود هذا القطاع أو ذاك إلى التخبط والتراجع والتهاوي في الفشل، الدولة تعويلها على المسؤولين يتركز على قيادة القطاعات باتجاه النجاح والتطوير والبناء والاستثمار في الطاقات والكفاءات حتى تنتج مخرجات إيجابية تخدم الوطن والمواطن وتحقق رؤية قيادة البلاد.
تدمير القطاعات يبدأ عبر تدمير النفسيات، يستمر من خلال انحراف استراتيجيات العمل، ويتواصل عبر زيادة عمليات الخلل الإداري، وينتشر كالمرض من خلال الأجواء النفسية السلبية للموظفين، وبالتالي ينتهي بنتائج فاشلة، ترجمتها بلغة الأرقام تقول إن نسبة النجاح بالسلب وليست حتى بالصفر!
لذلك تطوير القطاعات لا يكون إلا بإحلال عوامل البناء والتعمير بدل عوامل التأخر والتدمير، إيجاد رافعات بناء ضخمة عالية القامة قوية الأداء لتكون بديلاً عن أصابع الديناميت.
أي تراجع في عمل أي منظومة لا بد وأن يفرض علينا النظر لرأس الهرم أو مجموعة الإدارة التنفيذية، لا بد من وجود خلل في الإدارة، لا بد من وجود بوصلة ضائعة، لا بد من وجود سلسلة إدارية منقطعة تجعل الفرقة تعمل بدون نسق أو بدون هدف والأخطر بدون دافعية أو اهتمام.
كلما أجادت الإدارة العليا دورها، كلما كانت مثالاً لبقية العاملين في حسن التصرف والإنتاجية والنزاهة والنظافة الإدارية، كلما انعكس ذلك إيجاباً على القطاع، وكلما ضمنا بأن بنيان هذا القطاع سيعلو ويرتفع، وأنه لا خطر عليه لأنه توجد فيه أصابع ديناميت يمكنها تدميره في أي لحظة.
{{ article.article_title }}
{{ article.formatted_date }}