غالبية الناس في البحرين يشدُّون رحالهم للسفر للخارج في عطلة الصيف وغيرها من الأيام الأُخر من أجل السياحة والاستجمام والتجارة وطلب العلم، وهذا الأمر المشروع يعطي الإنسان رغبة في اكتشاف المزيد من المزايا والأمور التي تتمتع بها تلكم الدول التي يقصدها، فهناك يجد الإنسان العربي ما لا يجده في وطنه، كما أنه لا يجد ما هو متاح في وطنه أيضاً، وبين الحالتين يقع الدرس.
لعل من أبرز فوائد السفر هو الإطلاع على كنوز الآثار والمعرفة واكتشاف ثقافة وسلوكيات الآخر والإستفادة من تجارب الشعوب وتاريخها، فالسفر لأجل السفر لا يضيف للإنسان أي رصيد معرفي يضاف إلى وعيه سوى الإستمتاع ببعض الأمور التي ربما تغير من أجواء ومناخات وطنه التي اعتاد عليها، كالجو الجغرافي والطبيعة وغيرها، أمَّا الإنسان الواعي والمدرك لحجم فائدة السفر فإنه يقوم بالقياس ومقارنة عمله ووعيه وطبيعة نظام بلده مقارنة بالبلدان التي يزورها، ولهذا حين يعود لوطنه فإنه يعود محمَّلاً بالكثير من الفوائد والدروس.
لكل بلد من بلدان العالم ميزة قد لا تكون متاحة في بقية البلدان، كما أن لكل وطن وشعب تاريخاً مختلفاً عن بقية الأوطان والشعوب الأخرى، وهذا المختلِف من الأمر يكفي لأن يكون مدرسة يتعلم منها الإنسان معنى العمل والكفاح والإنسانية، كما يمكن أن يحمد الله على ما يتوفر في وطنه من مقتضيات حياة كريمة ربما لا تتوفر «ربعها» في تلكم الدول، ولهذا يجب على المسافر أن يستفيد من الدرس حين يعود لوطنه محملاً بكل أشكال العِبر.
حين تلتقي بشعوب تقدس العمل وتكره الكسل وتحافظ على النظام والنظافة وحبها لأوطانها فإنك تلتقي بكنز ثمين يجب أن يعطيك الحافز لأن تكون كذلك، وحين تسافر إلى دول يسير نظامها وفق القانون ووفق احترام الإنسان بغض النظر عن معتقداته وجنسه وأصله فإنه من الواجب أن يكون هذا الوعي هو الوعي الإنساني الثابت عندك إذ لا شيء بعده، أمَّا حين تشاهد الفقر والجهل والعوز والفوضى فيجب أن تشعر بالنظام والأمن والعلم وتوفير الغذاء في وطنك الذي تحسدك عليه الكثير من تلكم الشعوب الفقيرة.
بين المتاح في وطنك وما هو غير متاح، يكون السفر فرصة لا تتكرر لالتقاط صورة حية وصادقة حين تقوم بمقارنة وطنك بالأوطان الأخرى ومقارنة من تعيش معهم بالشعوب التي التقيتها في رحلتك نحو العلم والكمال، وعليه يجب أن تستفيد مما هو غير متاح عندك في وطنك، فتستورد كل ما هو جميل ومفيد، وفي المقابل يجب عليك أن تعترف بالمميزات التي يتحلى بها وطنك ومن يعيشون فيه، حتى تكون منصفاً وعادلاً فيكون تقييمك علمياً بعيداً عن منعطفات السياسة وأهوائها وبعيدة كل البعد عن عواطفك المجردة. حين سافرنا للخارج وجدنا ما لم نجده في وطننا فتمنينا أن يوجد بقوة القانون والتشريع، وفي ذات الوقت لم نجد الكثير مما هو متاح بالمجان في وطننا حين رأينا الكثير من الشعوب تحسدنا عليه. هذا خلاصة كل الدرس من السفر المُنتج والفاعل.