ما كتبته أخيراً عن واقع الجمعيات السياسية وتأخرها عن ممارسة دورها الذي ينبغي أن تمارسه في مثل هذه الظروف التي تمر بها البلاد والمنطقة دفعت البعض إلى التعبير عن رأيه فيها وتأكيد أهمية أن يكون لها دور غير الدور الذي تمارسه الآن والذي لا يختلف عن دور أي مؤسسة من مؤسسات المجتمع المدني بل هو أقرب إلى دور الأندية الاجتماعية والثقافية منه إلى الجمعيات السياسية.
هنا رسالة وصلتني من مهتم بالشأن العام تعين على تبين مكانة الجمعيات السياسية في عيون المواطنين ومقدار انحرافها عن مسارها الطبيعي.
الرسالة: «ما تفضلت به جانب من الجمعيات السياسية، أما الجانب الآخر منها فإن لدى قادتها أو المسيطرين على قيادتها أجندات خاصة يريدون أن يمرروها على المواطنين مع دغدغة مشاعرهم بكلام يمس حياتهم اليومية بينما تتحول توجهاتهم عندما يقتنصون صوت المواطن إلى تلك الأجندة، وقد ظهر سلوك جديد في ممثلي الجمعيات القلائل في البرلمان بالإضافة إلى المستقلين يتمثل في «هي والله وان شاء الله تامرون». هذا السلوك سيؤدي حتماً إلى زيادة عدم الثقة في الجمعيات السياسية وكذلك المستقلين أصحاب المصالح الخاصة مما سيشكل خطراً على الانتخابات المقبلة. ولا أخفيك سراً عندما أقول لك لقد تناقشت مع أكثر من عضو في جمعيات سياسية وأوضحت أنه إذا أرادت هذه الجمعيات أن تنجح فإن عليها تكوين لجان في المجمعات السكنية، تقوم هذه اللجان باستقراء البرنامج الانتخابي من الناس ثم تضع برنامجاً استراتيجياً له أهداف عامة وخاصة، إلى غيره من التفاصيل، ومن ثم تطرح البرنامج الانتخابي على اللجان في المجمعات لمناقشته وتعديله وعلى ضوء ذلك تبدأ العمل على تسويقه. وبذلك تستطيع زيادة تواصلها بالجمهور وتساهم بطريقة إيجابية نحو تعزيز الثقة ورفع نسبة المشاركة في الانتخابات. ولكن لا أحد يستجيب، وتبقى الأجندة دائماً تطفو على الألسنة وفي الصدور، وكأنك تؤذن في خرابة، أو تنفخ في «جربة» مثقوبة».
ما كتبه صاحب الرسالة عبر به عن واقع حال الجمعيات السياسية بشكل عام وشرح رأي وموقف الكثير من المواطنين منها، وهذا يعني باختصار أن استمرار الجمعيات السياسية في وضعها الحالي من شأنه أن يعجل بنهايتها، ذلك أنه لن يتوفر أي مبرر لوجودها بعد ابتعادها تماماً عن ممارسة دورها الذي ينبغي أن تمارسه وهو سبب وجودها.
هذا كلام قاسٍ على الجمعيات السياسية ومؤلم ولكنه للأسف واقعي، فالجمعية السياسية التي لا تستطيع أن تؤثر في ما يجري في البلاد من أحداث ولا يكون لها دور في تخليص العباد مما صاروا فيه بسبب غياب العقل عن البعض، الأفضل لها أن تشكل فريق كرة قدم تشارك به في دوري الأندية وتأتي في مقرها بـ«الكيرم والدامة» كي يجد أعضاؤها ما يشغلون أنفسهم به.
حتى الندوات غير العادية التي لاتزال بعض الجمعيات السياسية تعقدها ويفترض أن تدون في سجلها كونها تعبر عن موقف تظل ناقصة القيمة إن لم ترفد بعمل مؤثر، حيث القول في إحداها مثلاً إن هذا الإجراء أو ذاك غير قانوني أو غير دستوري وإثبات ذلك بالأدلة القاطعة والدعوة إلى تصحيح خطأ يكون فاقداً للقيمة إن لم يترجم إلى عمل يسهم في التوصل إلى حلول مناسبة تعين على إعادة البلاد والمجتمع البحريني إلى ما كانا فيه ويؤدي إلى إصلاح ذلك الخلل. أي أن القصة ليست قصة عقد ندوات ونشر ملخصات لها من خلال وسائل التواصل الاجتماعي والصحف والفضائيات، فالقيمة تكمن في مدى جعلها درباً للتواصل مع من بيده القرار، وفي مدى جعلها سبباً في إحداث التغيير الإيجابي المطلوب.