إن الطبيعة العالمية والمفتوحة للإنترنت، إلى جانب التقدم السريع في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات باعتبارهما قوة دافعة لتسريع خطى التقدم على طريق التنمية بمختلف أشكالها، تمكن الشخص في العالم بأسره، وأكثر من أي وقت مضى باستخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات الجديدة، وتعزز في الوقت نفسه قدرة الحكومات والشركات والأشخاص على مراقبة الاتصالات واعتراضها وجمع البيانات، الأمر الذي يثير القلق حول شبهة انتهاك حقوق الإنسان والنيل منها، ولاسيما الحق في الخصوصية، وذلك عندما تصلح الشواغل المتعلقة بالأمن القومي والنشاط الإجرامي مبرراً لاستخدام تكنولوجيا مراقبة الاتصالات بصورة استثنائية.
ويعد الحق في الخصوصية حقاً أساسياً من حقوق الإنسان، ويدور معنى الخصوصية حول افتراض وجود ضرورة لأن يتوفر للفرد مجال للنماء والتفاعل والحرية في الاستقلالية، وهو حيز خاص يتفاعل فيه مع الآخرين أو لا يتفاعل معهم بعيداً عن تدخل الدولة، وعن التطفل المتمادي به من الأشخاص غير المرغوب فيهم. وعلى إثر ذلك، يمكن تعريف الحق في الخصوصية بأنه قدرة الفرد على تقرير من يحفظ المعلومات المتعلقة به وتبادلها وطريقة استعمالها وفي حيز لا يصل إليه باقي أفراد المجتمع ولا القطاع الخاص ولا الدولة نفسها إن رغب في ذلك. ولكي يتسنى للأفراد ممارسة حقهم في الخصوصية، يجب أن تكفل لهم الدولة التحقق من بقاء اتصالاته سرية، ومؤمنة، ومجهولة الهوية إن رغبوا في ذلك.
ولذلك نحن نشيد بتوجيهات صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس الوزراء الموقر إلى الجهات المختصة منذ أيام مضت بوضع التشريعات المناسبة التي تمنع انتهاك خصوصية الأفراد، وذلك إن دل فإنما يدل على حرص سموه على الدفع بعجلة مملكة البحرين نحو التقدم والارتقاء الدائم بحقوق الإنسان.
والجدير بالإشارة، أنه غالباً ما ينظر إلى الحق في الخصوصية باعتباره شرطاً أساسياً لإعمال الحق في حرية التعبير. فقد ينطوي أي تدخل أو تعرض لخصوصية الأفراد على تقييد مباشر وغير مباشر على حرية تبادل الأفكار والمعلومات. فعلى سبيل المثال، إن للقيود المفروضة على إغفال الهوية في الاتصالات أثراً سلبياً واضحاً على ضحايا كافة أشكال العنف وسوء المعاملة الذين قد يترددون في الإبلاغ خوفاً من الوقوع ضحية مرتين. كما قد يحدث التعارض بين الحق في الخصوصية والحق في حرية التعبير عندما تنشر وسائل الإعلام على سبيل المثال معلومات تعد ذات طابع شخصي، بما يشكل تجاوزاً للقيود التي نص عليها العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية على حرية التعبير في المادة «19»، الفقرة «3»، التي ينبغي أن تكون ضرورية لاحترام حقوق الآخرين أو سمعتهم ولحماية الأمن القومي أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة.
وعلى الصعيد الدولي، فإن أي تعرض للحق في الخصوصية يجعل الدولة منتهكة للمادة «12» من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، التي تنص على أن: «لا يعرض أحد لتدخل تعسفي في حياته الخاصة أو أسرته أو مسكنه أو مراسلاته أو لحملات على شرفه وسمعته، ولكل شخص الحق في حماية القانون من مثل هذا التدخل أو تلك الحملات». كما يشكل التعرض للحق انتهاكاً صريحاً للمادة «17» من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية السياسية التي تنص على: «1- كذلك لا يجوز تعريض أي شخص، على نحو تعسفي أو غير قانوني، للتدخل في خصوصياته أو شؤون أسرته أو بيته أو مراسلاته، ولا لأي حملات غير قانونية تمس شرفه أو سمعته، 2- من حق كل شخص أن يحميه القانون من مثل هذا التدخل أو المساس». إلى جانب أنه يشكل انتهاكاً لنص المادة «16» من اتفاقية حقوق الطفل 1980 التي تنص على أن: «1- لا يجوز أن يجري أي تعرض تعسفي أو غير قانوني للطفل في حياته الخاصة أو أسرته أو منزله أو مراسلاته، ولا أي مساس غير قانوني بشرفه أو سمعته. 2- للطفل حق في أن يحميه القانون من مثل هذا التعرض أو المساس». بالإضافة إلى نص المادة «14» من الاتفاقية الدولية لحماية حقوق جميع العمال المهاجرين 1990 التي نصت على أنه: «لا يعرض العامل المهاجر أو أي فرد من أسرته للتدخل التعسفي أو غير المشروع في حياته الخاصة أو في شؤون أسرته أو بيته أو مراسلاته أو اتصالاته الأخرى أو للاعتداءات غير القانونية على شرفه وسمعته، ويحق لكل عامل مهاجر ولكل فرد من أسرته التمتع بحماية القانون ضد هذا التدخل أو هذه الاعتداءات».