أذكر أنني كتبت سابقاً عن أمثلة لعائلات بحرينية نعرف معادنها الأصيلة عبر ما قدمته للبلد والمجتمع منذ عقود، وتكشفت معادنها الأصيلة بقوة حينما تعرضت البحرين لمحاولة انقلاب واختطاف آثمة.
من تلك العائلات العديدة ضربنا أمثلة على عائلتي «ناس» و«كانو»، مع الإدراك بأن هناك عديد من العائلات الوطنية المخلصة مثلهما، وهذا بحد ذاته يثبت حجم «الخير» الذي يحتضنه الوطن بفضل من الله بوجود مثل هذه العائلات.
البحرين فقدت قبل يومين أحد رموز العمل الخيري وأحد صناع التغيير الإيجابي، ورجلاً ناشطاً في التنمية والعطاء، فقدت الوجيه عبدالعزيز كانو الذي شيعته حشود كبيرة لمثواه الأخير، وقدمت فيه قيادة البلد واجب العزاء.
جلالة الملك وسمو رئيس الوزراء حفظهما الله أكثر الشخصيات القيادية التي تعرف الرجال ومناقبهم وتقدر أفعالهم الجليلة للوطن، وكلامهما عن عبدالعزيز كانو يخلد ذكراه الطيبة، ويدفع عائلة كانو للافتخار بإرث رجالاتها الجميل.
الإرث الجميل الذي تحمله هذه العائلة الطيبة صنعه رجال عدة على مر العقود، عبر أعمال الخير والتطوير والتعمير، وفوق كل ذلك ما ارتبط باهتمامها بتعمير وبناء أهم البيوت على الأرض، وهي بيوت الله.
كم مستشفى يخدم الناس بنته عائلة كانو؟! وكم مركزاً متخصصاً لذوي الإعاقة بنته؟! وكم مسجداً وجامعاً يصلي فيه الناس في شتى أرجاء البحرين تم بجهود هذه العائلة وعطائها؟! وغيرها من أمور مرتبطة بالمساعدات وإعانة الأسر المحتاجة، وأمور معنية بالتعاون القوي والوثيق مع الدولة والحكومة في مجالات بناء الوطن.
حينما نفقد رجلاً بحجم عبدالعزيز كانو وبحجم ما قدمه من خير وعطاء للوطن، من الضروري أن نحزن، ففراق الطيبين خسارة، ورحيل المنجزين تفقد الوطن أحد أعمدته المؤثرة.
لكن الجميل في عائلة كانو هو «امتدادها»، هذا الامتداد الذي رأيناه مراراً عبر العقود، الأجيال تتوالى، والمميز أن كل جيل يسير على خطى من سبقه، والأجيال الأولى تعمل لتعد من يخلفها ويحمل راية العمل من بعدها.
كثير من العائلات ندعو الله أن يبارك لها في تجارتها وأعمالها، لكن قليلاً منها تبادر من نفسها لخدمة المجتمع، وللتبرع من حر مالها، وتبحث عن الناس لتساعدهم، ومنها عائلة كانو.
رحم الله فقيد العائلة الوجيه عبدالعزيز كانو، وأسكنه فسيح جناته، وجعل أعمال الخير والعطاء التي تمت على يديه شافعة له وحسنات لا تتوقف في ميزانه، وثبت أبناءه والأجيال التي تأتي من بعده لتستمر كما استمر هو في حمل إرث هذه العائلة الطيبة في مساعيها لخدمة بلادها.
من يحمل في قلبه الخير، ويعمل لأجل الناس، يبارك له المولى عز وجل في مساعيه وعمله وتجارته، وهذا ما عرفنا عليه عائلة كانو، التي ندعو الله أن يثبتها وألا يغير منهاجها.
ولماذا لا تعيش سعيداً؟!
سؤال أصبحت أوجهه في الآونة الأخيرة لكثير من معارفي وأصدقائي المقربين، خاصة حينما ألحظ عليهم وجوماً أو حالات إحباط، وبدرجة أكبر حينما أراهم يتحولون لشخصيات «متحلطمة» لا يعجبها العجب.
أسألهم هذا السؤال، فأرى الإجابات تتشابه، وكلها تجزم بأن الشخص بعيد جداً عن السعادة، وهو أصلاً لا يدرك ما يعنيه مصطلح السعادة في مقام أول.
فقط أقول لهم، بأن الغريب في أمر الإنسان أنه بدلاً من أن يعيش يومه، ويبحث عن السعادة فيه، مهما صغرت مساحتها، ومهما كانت نوعيتها بسيطة، يقضي حياته في ملاحقة أمور، في رسم أحلام كثير منها خيالية، وحينما لا يتحقق شيء مما يركض وراءه يتحول إلى شخصية سلبية، يومها مليء بالضيق وبالاستياء وبـ «التحلطم» على كل شاردة وواردة.
فقط أقول لهم بأنك لو قضيت عمرك كله تتنقل من أمر تطارده لأمر آخر بعد تحقق الأول، وتمضي السنون هكذا في مطاردات لا تنتهي، فقط تخيل لو أنك في وسط صراعك ومطاردتك لهذه الأمور اختارك الله وجاءت ساعتك، حينها ستنتهي قيمة كل شيء تسبب في تعاستك وتسبب في تشربك لشعور الضيق والاستياء، ستمضي حياتك في لحظة.
لذا أقول دائماً، بأن عيش الحياة لحظة بلحظة وبذهن وإرادة تبحث عن السعادة هو الأساس، وتحقق الأمور التي نرجوها تأتي في مقام آخر، والأجمل أن تتحقق أمورك وأنت سعيد في أغلب لحظاتك.
لذا دع عنك السلبية، والاستياء والتحلطم، وعش سعيداً بما عندك، فالحياة قد تنتهي في لحظة.